تعددت الجوانب التي تناولها المؤرخون المسلمون في مؤلفاتهم، ومن بينها تاريخ الأوبئة ومالها من انعكاسات على مختلف جوانب الحياة. ويعد تقي الدين المقريزي مؤرخ مصر الإسلامية الوحيد الذي أفرد مؤلفاً عن هذه الأوبة، إذ جمعها في كتابه الفريد"إغاثة الأمة بكشف الغمة". أما بقية المؤرخين فقد ذكروا أخباراً متفرقة عن هذه الأوبئة ومن أشهرها وباء الطاعون، مثل: طاعون عمواس عام 18ه، الطاعون الجارف عام 69ه، وطاعون الفتيات عام 87ه وغيرها. أما وباء"الأنفلونزا"فوصلت إلينا رواية من المؤرخ ابن واصل الذي ذكر في كتابه:"مفرج الكروب في أخبار بني أيوب"في حوادث عام 656 ه /1258 أخبار الوباء الذي حدث في العراق وبلاد الشام بعد استيلاء التتار على بغداد في بداية أحداث هذا العام، ثم ما حدث من هروب العراقيين والشاميين إلى جهات عديدة ومن بينها مصر. ويلخص المؤرخ ابن كثير ماحدث بقوله:"فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون". ويستمر المؤرخ ابن واصل في تقديم روايته عمّا حدث في مصر في هذا العام السابق، مشيراً إلى حدوث"حمى وسعال"بدأ في مدينة بلبيس الواقعة على حدود مصر مع بلاد الشام والتي كانت آنذاك إحدى المدن الرئيسية، إضافة إلى وجود بيمارستان"مستشفى"بها. ولم يوضح لنا المؤرخ إذا كان المرض انتشر بسبب من وفد إليها من بلاد العراق والشام أم انتقل إليها بسبب آخر. وكان انتشاره سريعاً، إذ انتقل إلى القاهرة بعد يوم أو يومين. وكان ابن واصل في الجيزة آنذاك فدفعه الفضول إلى معرفة خبر الوباء إلى الذهاب للقاهرة فوجده منتشراً بها ولم يسلم من أهلها إلا القليل وأصيب المؤرخ نفسه بالمرض. إذ ذكر لنا بعض الأعراض بأنه كان حمى وسعال يدوم لثلاثة أيام، وكان الغالب منه السلامة كما يذكر المؤرخ مما يعني أنه كان طاعوناً رئوياً والذي يكون مميتاً لأغلب من يصاب به. وساعد على انتشار المرض بسرعة في ذلك الوقت أنه حدث في فصل الخريف والذي يعد أكثر الفترات انتشاراً للأمراض. وعلى رغم من أن المؤرخ لم يذكر ذلك صراحة في روايته إلا أن سرده للأحداث التي تلت روايته السابقة أشار إلى حادثة وقعت في ذي القعدة 656ه، أكتوبر1258م مما يؤكد سرعة انتشار المرض، إذ انتشر في غالب الديار المصرية بعد ذلك. ومن خلال هذه الرواية فإنها تعد أقدم رواية ?على حد علمي- عن هذا الوباء في تاريخ مصر. أكاديمي مصري.