يمكن اعتبار ما جرى في"غزة"تحت مرأى ومسمع العالم، آخر مسمار يُدق في نعش مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان التي ينادي بها الغرب. لقد أثبتت الوقائع أن الديموقراطية التي ينادي بها الغرب لتحقيق مبادئ العدالة والمساواة والحرية للشعوب، ما هي إلا أسلوب من أساليب القوة الناعمة للسيطرة على مقدرات الشعوب، فمنذ انتصارهم في الحرب العالمية الثانية عام 1948، وهم ينظرون لما يخدم مصالحهم، فجاءوا بنظرية الفكر الديموقراطي الغربي، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لذر الرماد في عيون الشعوب المتعطشة للعدالة والمساواة والحرية، وكان ساستها ومفكروها يعملون خلاف ما ينادون به، ومن ذلك تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات بموجب معاهدة"سايس بيكو"وتوزيع مستعمرات بين الحلفاء، ومن ثم زرع الكيان الصهيون في أرض فلسطين بموجب وعد"بلفور"، ليكون حائلاً دون تقدمها. أثبتت الوقائع أن مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان التي ينادي الغرب بها انهارت وأصبح لا وجود لها... إلا إذا تعلق الأمر بالعرب أو المسلمين، إذ إن من يطالب بحقوقه منهم يُصنف بإرهابي أو إسلامي متشدد، فليس صحيحاً أن معاملة العرب والمسلمين تغيرت منذ أحداث"11 أيلول سبتمبر"، بل معاملتهم متغيرة منذ الحروب الصليبية، ولكنها تأخذ أشكالاً متعددة، فتارة تكون ناعمة، وتارة تأخذ شكل القوة والعدوان، كما في العمل على إبادة الشعب الفلسطيني منذ نشأة إسرائيل إلى يومنا هذا، فإسرائيل هي"بريطانيا، وفرنسا، وأميركا"، وبقية دول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول المعادية للإسلام، ومع ذلك يوجد في هذه الدول أناس لا يقرون الظلم والعدوان، ولكنهم لا يمكن أن يصلوا إلى صنع القرار في بلدانهم. من مظاهر إنهيار هذا المبدأ، ما حدث ويحدث لسجناء"غوانتانامو"، وسجناء"أبوغريب"في العراق وغيرهما، بحجة مكافحة الإرهاب الإسلامي، أما الإرهاب الصهيوني، والمسيحي المتطرف، والهندوسي، والعلماني، والليبرالي، فليس إرهاباً، فأين عدالة منظمة الأممالمتحدة وأعضائها الدائمين مما جرى ويجري في فلسطينوالعراقوأفغانستانالصومال وغيرها من الدول ذات الأقليات الإسلامية من مآسٍ ومذابح؟!... أكثر من"162"قراراً صادراً ضد إسرائيل ولم تُنفذ، بينما القرارات على الدول العربية تنفذ ويتكالب الغرب والشرق على المطالبة بضرورة تطبيقها! أليس في ذلك عداء مفضوح للعرب والمسلمين؟ أين عدالة الأممالمتحدة والدول الغربية بالذات التي جاءت بالديموقراطية وحقوق الإنسان ورفعت شعارها، مما يجري في"غزة"الآن؟! وهل يجوز في أي شريعة أو فكر أن تكون المصالح فوق المبادئ؟!... لقد أجاز الغرب ذلك،إن ما حدث في"غزة"يُعد في نظرنا آخر مسمار يُدق في نعش"ديموقراطية"الغرب. ما أكثر مظاهر الانهيار في هذا المبدأ، ولعل أبرزها التمييز العنصري القائم على أساس الجنس، والدين، ولكن أهم المظاهر في انهيار هذا المبدأ ما تضمنه ميثاق الأممالمتحدة من نص يميز بعض أعضائها بحق"النقض"لقرارات مجلس الأمن، إذ استخدمت بعض دول مجلس الأمن الدائمين، حق النقض"الفيتو"لصالح الكيان الصهيوني، الذي زرعته الدول الغربية في المنطقة العربية للحفاظ على مصالحها. من مظاهر الانهيار أيضاً، أنه عندما يصدر قرار من مجلس الأمن ضد دولة عربية أو إسلامية لا يحقق مصالح الغرب، ومن يسير في فلكه، تنفذ قرارات مجلس الأمن فوراً، كما نفذت على العراق ولبنان وغيرهما. فازدواجية المعايير في تطبيق القرارات الدولية ما هي إلا تكريس لانتهاك مبدأ المساواة ومبدأ العدالة، وانهيار لأهم مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان. لعل منع الحجاب في بعض الدول الأوروبية، بحجة أنه يهدد مبادئ الليبرالية، أهم مظهر من مظاهر انهيار هذا المبدأ، كما أن قتل الإعلاميين في العراق، وفلسطين، ومنع آليات حقوقق الإنسان من التحقيق في المجازر التي ترتكب من المحتلين في هذين البلدين، وفي أفغانستان، خير أدلة وبراهين لانهيار هذا المبدأ وزيف الديموقراطية الغربية، وزيف نواياه تجاه تطبيقاتها في الدول. يجب ألا نفقد الذاكرة، وألا ننخدع بدعوات ساسة الغرب ومنظريه في ما يتعلق بتطبيق مبادئ العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان، إذ أثبت الواقع انه لا يسعى من وراء ذلك الا لتحقيق مصالحه، فمتى تعارضت هذه المبادئ مع مصالحه ضرب بها عرض الحائط، فهل نحن متعظون؟! وماذا نحن فاعلون لمواجهة هذا الخداع والتضليل والعدوان؟! عيسى بن عبدالعزيز الشامخ ? الرياض Dr.aesa.alshamekh@hotmai,.com