استأنف المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، الذي ينظمه المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي جلسة عمله الخامسة أمس لمناقشة محور المؤتمر الخامس"فتاوى الفضائيات الضوابط والآثار"في حضور المفتي العام للمملكة رئيس المجلس التأسيسي للرابطة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والأمين العام للرابطة الدكتور عبدالله التركي، والأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي الدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي. وترأس الجلسة مفتي لبنان الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني. وتحدث في الجلسة إمام وخطيب الحرم المكي الشريف الدكتور عبدالرحمن السديس والدكتور سعد البريك والدكتور خالد المشيقيح. واستعرض الباحثون خلال الجلسة الجوانب المتعلقة بفتاوى الفضائيات في هذا العصر الذي اختلطت فيه الأمور وتعددت الثقافات وقامت الفضائيات خلال ازدحام الآراء بشد الناس إلى ما تبثه، ومن ذلك ما يتعلق بأمور الدين والفتوى، إذ تصدى لها بين من تصدى أناس غير مؤهلين للإفتاء، ما أوجد فتاوى غير صحيحة تم ترويجها بين الناس، وأخطر هذه الفتاوى أن تكون مخالفة لأصل من أصول الإسلام، أو نص من الكتاب والسنة، أو الإجماع المعتبر، وأدناها خطراً أن تشذ عن جمهور أهل العلم، بل تنفرد وحيدة تنادي على قائلها بالجهل، أو لم تأخذ نصيباً من النظر. وأجمل الباحثون على الآثار السلبية لظاهرة الإفتاء عبر الفضائيات، وأسباب صدور مثل هذه الفتاوى، ومنها إحداث بلبلة وحيرة بين المسلمين، فقد أصبح الخلاف مصدر تشويش بل تشكيك عند كثير من الناس، لاسيما من العامة الذين لا يعرفون مصادر الخلاف والتأثير في مكانة العلماء واحترامهم بين الناس، بل والتشكيك في قدراتهم، أو نزاهتهم، وذلك من خلال إيجاد مبررات لاتهامات عامة باطلة وتحليل الحرام، وتحريم الحلال الذي هو من الكبائر بلا شك، ويصل إلى مرحلة الشرك إذا كان عن عمد، وهذه كانت آفة علماء أهل الكتاب والجاهلين، الذين حرموا ما أحل الله، وقالوا بزعمهم: هذا حلال وهذا حرام ولجوء العامة من الناس إلى تتبع الرخص، فصاروا يقصدون من عرف بالتساهل بحجة التيسير فيسألونه من دون الحرص على الوصول إلى الحق في المسألة، واتهام كل من يفتي من العلماء بما يوافق الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، أو يكون رأيه هو أصح أقوال أهل العلم في المسألة، بالتشدد والتنطع وظهور بعض المفتين على غير سمت العلماء من الوقار، والحشمة، والسكينة. ورصد الباحثون خلال الجلسة إلى جانب الآثار السلبية آثاراً إيجابية لفتاوى العلماء الثقات عبر الفضائيات، وهي شيوع العلم وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وسد حاجة الناس إلى الإفتاء، لسهولة اتصال المستفتي بالمفتي الذي يريد سؤاله وإقامة الحجة في كثير من المسائل التي يحتاج إليها الناس، من كثرة سؤالهم عنها وتوعية الأمة تجاه القضايا الكبيرة المهمة التي تخص عقيدة المسلمين، مثل ما حدث في مسألة سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ما يجب على المسلم لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره، وكذلك مسألة سب الصحابة رضي الله عنهم. وتوقف الباحثون عند أسباب صدور الفتاوى المسيئة إلى الشريعة ورصدوا أهمها الجهل بالضوابط والشروط الصعبة للفتوى وبالضوابط والمبادئ الحاكمة في علم أصول الفقه بشأن التفسير والتأويل واستشراء داء حب الشهرة بين بعض المتصدين للإفتاء لغياب قوة الإيمان وقعود كثير من المتأهلين عن الإفتاء عبر الفضائيات، ما أدى إلى انفصام الاتصال بين الناس والعلماء الكبار. وخلص الباحثون قبل نهاية جلستهم إلى عدد من النتائج بينوا فيها إن الإفتاء بغير علم حرام بالكتاب والسنة وبالإجماع ، مبرزين عظم منصب الإفتاء ولذا يجب أن تتوافر في المفتي الشروط والآداب التي ذكرها العلماء، فإذا أخل بها فلا يحل له أن يفتي ولا يحل لسائل علم بحاله أن يستفتيه. وأكدوا أن الواجب على ولي أمر المسلمين تقديم العلماء والمتخصصين في الفتوى والأحكام ومنع الجهلة بالأحكام الشرعية، وصغار طلبة العلم من الإفتاء، كما اقترحوا على رابطة العالم الإسلامي ومجمعها الفقهي اغتنام فرصة انعقاد المؤتمر وإصدار ميثاق ولوائح تنضبط بها الفتوى عبر القنوات الفضائية لمنع غير المتأهل من الإفتاء.