الألعاب السعودية الثالثة : الشريدة يحصد ذهبية رماية الأطباق    بيعة سلمان وهموم الأمة    ارتفاع أرباح «المراعي» الفصلية 17 % إلى 570 مليون ريال    مرصد الجوف ينضم للشبكة العالمية بالأمم المتحدة    الأخضر الشاب يعسكر في الأحساء استعداداً لمواجهة الصين "وديّاً"    مانشيني يرسم خطة الفوز على اليابان    «شهية» متروفيتش أمام الأهلي    المعلمون يتطلعون للتأمين والمنح.. والبنيان: جهودكم تعزز القيم لأبنائنا    الكليات الأهلية الجديدة في الأحساء والمدينة والرياض وحفر الباطن    جزار يقتل فتاتينثم ينتحر!    إطلاق المرحلة الأولى من مبنى MBC الجديد في الرياض لإنتاجات عالمية    «سماء العُلا».. أنشطة وفعاليات وروعة طبيعة    أزمة قلبية تنقل نشوى إلى المستشفى    5 علامات تشير إلى الإصابة بالتوحد    وحدهم الحمقى من ينتظرون نصرة فلسطين بأذرع «صفوية»!    هل خرجت خطة يينون من الأدراج؟    معرض الصقور والصيد    تولى مناصب مهمة ومسؤوليات رفيعة.. الملك سلمان.. حكمة وعطاء وتنمية ورخاء    عودة للحديث عن «حلم» جسر أبحر الشمالية والبرج    مشاريع مميزة تدعم النهضة الشاملة.. إنجازات ضخمة لجودة الحياة والسياحة والاقتصاد    بيّن للمجنون قرصه يعقل    بعد 6 جولات من دوري روشن.. الهلال ينفرد بالقمة والعلامة الكاملة.. والاتحاد والنصر يطاردانه    التفكير السطحي وأداء سالم مع المنتخب    ماني.. ضمن أفضل اللاعبين أداء في آسيا    نمو استثماري وشراكة القطاع الخاص.. تصنيف متقدم وإشادات دولية بالاقتصاد السعودي    بدعم من القيادة الرشيدة.. السعودية تتصدر الخدمات الرقمية إقليمياً    مشاريع الإسكان بين مطرقة المطورين وسندان الغلاء !    حريق أقدم مجمع تجارى    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    صباح الفناء يا 7 أكتوبر !    دبَّابات التوصيل    قراءة في تماس الزمكانية بالمدينة المنورة!    لأكتوبر الوردي جنوده    وزير الإعلام: معرض الكتاب يعزز المفهوم الحقيقي للثقافة    مركز الملك سلمان.. إنسانية متدفقة بالعطاء حول العالم    قطط وكلاب ترث ملايين الدولارات    تطوير أول لقاح في العالم ضد سرطان المبيض    «الفلورايد «في مياه الشرب السُمّ القادم 2-2    طريقة عمل بروستد الدجاج المقرمش    نجاح عالمي لمعرض الرياض الدولي للكتاب    مجمع الملك سلمان العالمي يُنظِّم «شهر اللغة العربية» في فرنسا    خدمات متكاملة لكبار السن في المسجد الحرام    محافظ الخرج يشهد توقيع اتفاقية لجمعية تحفيظ القرآن    الرياض تتصدر مناطق المملكة في عدد السجلات التجارية ب53150    وزير البلديات: إنشاء مدن ذكية وصديقة للبيئة يسهم في جودة الحياة    إزالة 129 مليون محتوى متطرف    أمير الشرقية ونائبه يهنئان المعينين والمجدد لهم في الشورى    سعود بن مشعل يشهد توقيع تعاون بين السجون و«كفى»    خادم الحرمين يجري اليوم بعض الفحوصات الطبية جراء التهاب في الرئة    ذكرى البيعة العاشرة للملك سلمان    ماكرون في مهمة حظر أسلحة إسرائيل    جامعة الملك سعود تحتفى بيوم المعلم العالمي    تعليم سراة عبيدة يحتفي بالمعلمين والمعلمات في يومهم العالمي    البديوي: إنشاء مرصد علمي خليجي لمكافحة التطرف يبرز الصورة الحقيقية للإسلام ومواجهة حملات الكراهية    مجموعة فقيه للرعاية الصحية توقع اتفاقية لإنشاء مركز طبي جديد في جدة    د. ال هيازع : خادم الحرمين قائد فريد في حكمته وعطائه ورؤيته الثاقبة    الاختراق    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ديبلوماسية" الثوابت السعودية
نشر في الحياة يوم 18 - 01 - 2009

على رغم ان العمل السياسي العربي حقل متحرك ومرتبط بالتحولات الاقليمية والدولية التي تعكس تأثيرها عليه، بصورة أو بأخرى، الا أن فكرة الثوابت التي قد تبدو غريبة نوعاً ما في السياسة، هي من أهم المرتكزات التي تكون بمثابة الأسس التي تتحرك على ضوئها تلك المتغيرات. والثوابت عادة في تاريخ الأنظمة العربية تعرضت للكثير من التغييرات، ما جعلها تشهد توترات وتبدلات في أنظمة الحكم، وكان لهذا تأثيره الكبير في تحريك تلك الثوابت، وتبديل قواعد العلاقات السياسية بحسب التوجهات المختلفة لكل نظام جديد. ولعل ما شهده العراق طوال العقود السابقة خير دليل على ان تغيير الثوابت في الاجندة السياسية قد يؤدي الى التعرض لحالات من الاستقطاب الشديد مع دول الجوار، ويخلق تضارباً في المصالح والسياسات يضر بالمصلحة الاستراتيجية العربية العليا، وها نحن نرى اليوم الآثار التي نجمت عن سياسات النظام العراقي السابق، وأضرت بحال الأمة العربية، وبالعراق قبل كل شيء.
إن منهج الثوابت الاستراتيجية في أي سياسة خارجية لدولة ما، من الأهمية بمكان، لما يترتب على وضوح الرؤية وعمق النظر، من مصداقية عالية واحترام رصين يؤكد الاجماع العربي، ويجعل من تلك الثوابت قابلة لتجديد متغيراتها وفق تحولات الواقع السياسي بطريقة ايجابية.
يمكننا قراءة الثوابت الديبلوماسية السعودية مع الدول العربية، التي كانت ولا تزال من النماذج الناجحة. وهناك اسباب عدة جعلت من هذه الثوابت في السياسة الخارجية للسعودية مع شقيقاتها من الدول العربية على هذا النحو من الاحترام والتميز. ترجع جذور هذه الثوابت وأسبابها الى استقرار الحكم السعودي منذ توحيد الملك المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود للمملكة على أسس ثابتة، وكانت أهم علامات هذه الثوابت في السياسة الخارجية، هي العلاقات السعودية - الأميركية في ذلك الحين، إذ كانت أميركا في الأربعينات مثالاً للدولة التي تتبع ديبلوماسية الحياد الايجابي في المنطقة العربية.
فأميركا التي كانت تتميز بالحفاظ على مبادئ"ويلسون"الشهيرة جسدت مثالاً عميقاً لخلق علاقات سياسية معها. وكانت هذه العلاقة في بعض معانيها تمثل بعداً عن العلاقات السياسية مع الدولتين الكبريين في ذلك الوقت"فرنسا وبريطانيا"، إذ وقعت بعض الدول العربية ? ومنها فلسطين ? تحت نفوذهما.
لقد كان في خيار الملك عبدالعزيز رؤية واضحة تجعل من سياسة المملكة الخارجية مع الدول العربية متحررة من التأثير النفسي أو البريطاني، ما يعني انه منذ البداية حرص على تحييد توجهات المملكة بصورة ايجابية مع الدول العربية حتى في زمن الاستعمارين الفرنسي والبريطاني لها. ومن أسباب هذه الثوابت البعد الرمزي الاسلامي للمملكة تجاه الدول العربية والاسلامية، وما يمثله في الذاكرة العربية من القيم الاسلامية التي منها الحفاظ على روح الأخوة، والسعي للصلح بين الخصومات، والتعاون على فكرة التضامن الاسلامي، التي تبناها الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله. واستثمار موسم الحج في قضايا الاصلاح وغير ذلك.
لقد شهدت هذه الثوابت نجاحات كثيرة في العهود المختلفة، لا سيما في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله. ومن أهم الثوابت في علاقات المملكة مع شقيقاتها من الدول العربية: اتخاذ مبدأ عدم التدخل في شؤون اي دولة عربية، واحترام سياستها مهما كان الاختلاف. كما ان من تلك الثوابت الحرص الشديد من المملكة على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وبذل كل الامكانات المتاحة من أجل الوصول الى حلول مرضية. ولعل اتفاق الطائف الشهير في العام 1990 الذي أنهى اكثر من 15 عاماً من الحرب الأهلية في لبنان هو خير مثال على نجاح تلك الثوابت، عبر تذليل كل العقبات وجمع الفرقاء وفق آلية حوار فعال، من دون ممارسة اي ضغوط على أي من الأطراف المتنازعة. والذي يؤكد نجاعة هذه السياسة الثابتة بايجابياتها هو استمرار وبقاء تأثيرها على مر الزمن، فاتفاق الطائف ما زال هو السقف الحاكم للسلم اللبناني على رغم الاحتقانات العابرة لأنه تم بتراضٍ من جميع الأطراف اللبنانية.
وقبل ذلك كانت مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز في قمة المغرب في العام 1981 بخصوص القضية الفلسطينية من المبادرات المتقدمة والحيوية، لكنها كانت تحتاج الى تفهم عميق من الأطراف الفلسطينية، وقراءة دقيقة للواقع الاستراتيجي في ظل المعادلات الدولية، وهو ما تم إدراكه اخيراً بعد اكثر من عشر سنوات.
وتأتي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز:"المبادرة العربية للسلام"، بإجماع الدول العربية في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 لتضيف نجاحات اخرى، وتؤكد عمق ثوابت السياسة الخارجية السعودية مع الأشقاء العرب.
إن مثل هذه النجاحات والاختراقات التي تسجلها الديبلوماسية السعودية لصالح المصالح العربية، توازيها جهود أخرى تقوم بها السعودية تجاه الدول الاسلامية التي تعاني من الأزمات كالبوسنة والهرسك والصومال وغيرها.
لقد قدمت المملكة بفضل سياساتها الخارجية الرشيدة الكثير من الدعم البناء والايجابي للقضايا العادلة، ولم تكتفِ فقط بالمبادرات السياسية والديبلوماسية فحسب، بل نشطت أيضاً في مجال الدعم المادي السخي من اجل ايجاد حلول للكثير من المشكلات التي تتطلب الدعم المادي.
لقد تقدمت ثوابت الديبلوماسية السعودية في مجالات أخرى تقع ضمن احدى خصائصها المهمة، وهو مفهوم حوار الأديان، فمؤتمر حوار الأديان الذي تم أخيراً في نيويورك على مستوى القادة والرؤساء، كان نقلة كبيرة وتعبيراً مهماً لجدوى الحوار بين اتباع الاديان السماوية، من اجل إزالة الكثير من الاحتقانات والمفاهيم الخاطئة والمتطرفة التي تنشأ من التأويلات المتشددة للدين، وتفضي الى صراع لا طائل منه، وتضع المنطقة في توتر دائم، فضلاً على تسميم العلاقات بين الشرق والغرب، وحصرها في بؤرة ضيقة للصراع الديني، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر.
إن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى الفاتيكان للقاء البابا من اجل التأسيس لفكرة الحوار عبر أعلى قمة روحية للعالم المسيحي، هي في سبيل دعم فكرة"حوار الأديان"، والخروج بتصورات ايجابية ولفت الأنظار الى وحدة القيم الكبرى في الأديان السماوية والقيم الاخلاقية كقيمة تكريم الانسان، وحرمة قتله من دون جريرة، وتغليب جوانب التوافق على نقاط الاختلاف، وتقبل الآخر وغير ذلك من الأسباب التي تعيد للناس الثقة في ما بينهم على اختلاف اديانهم، لا سيما في هذا العصر الذي ارتبطت فيه مصالح البشر وتداخلت على نحو مشترك، لم يسبق له مثيل. وهكذا نجد ان ثوابت السياسة الخارجية للمملكة كانت انعكاساً للاستقرار الذي نعمت به. فمن طبيعة الاستقرار أن يمنح القدرة على التخطيط السليم والرؤية العميقة.
فراج العقلا - الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.