بعد مقالة"غزة... بين بكاء وتباك"التي نُشرت الأسبوع الماضي، تلقيت رسائل عدة تتراوح ما بين مادح وقادح، ولا غرابة عندما يكون الاختلاف"صحياً"في الأهداف والغايات. لا غرابة في الاختلاف الا التزييف المتاجر به على جثث أطفال غزة الأبرياء. ولا غرابة في الاختلاف، خصوصاً في لحظات انفعالية ومشهد"مأسوي"تسوقه عواطف إنسانية جيّاشة في ظرف"غزي"، جراء عربدة إسرائيلية"وقحة". وفي الوقت نفسه، لا استغرب الاختلاف مع القارئ المحلل للمقالات وفق نظرية"أحادية"، ومفارز تنظيرية، لكن المشكلة تكون عندما تقرأ المقالات بعين واحدة لاقتطاع"جزئيات"معينة منها وفق روح"اقصائية"من دون إسقاطها على واقع الحال المعاش ومدى الاستعداد وتكافؤ القوة. هناك مرارة عندما يكون الفهم محدوداً، والعقل مربوطاً، والمزايدون والمتاجرون بدماء الأبرياء يتكاثرون، على رغم معرفتهم سلفاً بأن الخاسر الوحيد هو فلسطين وشعبها، خصوصاً القابعين منهم تحت وطأة آلة عسكرية إسرائيلية إرهابية، تقتل الصغير قبل الكبير. بعد تلك المقالة، تلقيت رسائل الكترونية من أسماء عدة، منها على سبيل المثال: نهج الثورة، محمد المختار الشنقيطي، سهل أتاسي، سامي سعد، فيصل إبراهيم، سعاد أحمد، ثائر أبو عيطة، لين، حسين عيسى، مشهد. يعلق كل من سامي سعد وسهل أتاسي وحسين عيسى، بقسوة غير مبررة تتجاهل الوقائع. كم هي مرارة عندما تصبح مهمة البعض تسويق مصطلحات الشتم والتخوين واتهام الآخرين بالعمالة لواشنطن وتل أبيب! في المقابل، أعجبتني تساؤلات الأخ الذي وصف نفسه ب"نهج الثورة"والأخ الشنقيطي، حول ما ورد في المقالة، على رغم اختلافهما معي، مؤكدين ان لا حلول سياسية مع إسرائيل، استناداً إلى الوقائع التاريخية. ما أخشاه ان تتحول مآسينا إلى حفلات للاستغلال بامتياز، يرقص على مسرحها"مزايدون"و"مرجفون"، لا يقدمون حلولاً، بل يهدفون إلى دغدغة المشاعر العربية"الثائرة"بحروف"هوجاء"، لكسب أضواء"حمراء"على"أزيز"رصاص يخترق قلوب أطفال ونساء غزة. أخشى ان تتحوّل"مأساة غزة"إلى أشبه بمسرحية"سوداء"، تستغلها عقول"صماء"، بصيرتها"عمياء"، تكتب لتزايد على حياة إنسان مضطهد ووطن محتل يعيش على شفير الموت اليومي منذ أكثر من خمسين عاماً. هناك كتّاب وسياسيون يتجاوزون قول الحقيقة ولو كانت مُرة، وهنا الخطأ مثلما أخطأت"حماس"حين لم تلتفت الى مخاطر التوقيت ومخاطر معركة غير متكافئة في ظرف زمني يشهد انقساماً فلسطينياً وشرخاً عربياً واضحاً. هؤلاء الكتّاب والسياسيون يحاولون تجريح الآخرين أو المختلفين معهم بعبارات ردح وشتائم وتحريض، وكأن تلك العبارات ستنقذ غزة من قنابل العدو، رغبة في نفوسهم إلى لفت الأنظار، لكسب جماهيرية"مفقودة"! ما أكثر المفاجآت التي تلعقها ألسنة عربية"تائهة"، تقتات من دروب التعاسة عبر سوق الشتائم واتهام كل من يختلف معها في وجهة النظر بالمؤامرة، انطلاقاً من واقع الحال الفلسطيني وحصار غزة. نحن مع السلام، لكننا ضد الاستسلام، والأَوْلى معرفة ظروف الزمان والمكان، لمجابهة العدو، لا تسليمه النفس نحو إبادة الشعب والاستمرار في تفريق بوصلة الكلمة المختلف حولها بين"فتح"و"حماس". كثيرون قادرون على قراءة المستقبل واستشرافه، لكن علامات الاستفهام توضع أمام ما يكتبه البعض من مزايدات ومتاجرات، متهماً مخالفيه ب"الانهزامية"، محاولاً الاستفادة من مأساة غزة ونعوش الموتى، بادعاء المعرفة السياسية والحربية، لتمرير أيديولوجيات تلبس عباءة الردح والقدح للآخرين، واجترار ربما الخطأ بخطأ. عشق العروبة لن ينتصر له العرب بحشو الكلام وإطلاق الشعارات الرنانة، وإقامة مهرجانات خطابية استعراضية، ولبس قبعة الفناء حتى لو أبيدت غزة عن بكرة أبيها كما يقول إسماعيل هنية. الأصح مراجعة معطيات المعركة وآثارها وانعكاساتها المستقبلية على الفلسطينيين، والاستفادة من دروس الماضي"المرير". لا نختلف على ان إسرائيل عدو مجرم، تديرها مجموعة من القتلة الإرهابيين، وان ما تفعله آلتها العسكرية من قتل واحتلال تضيء شموعه واشنطن قبل تل أبيب. مسكين هذا العربي الذي لا يمل ركلاً وردحاً وشتماً، وادعاء انتصارات"أم المعارك"الوهمية، بغية استعادة روح عربية مفقودة. موتى وجرحى غزة يتزايدون، والاسرائيليون يعربدون ويقتلون بلا رحمة، و"حماس"تكابر"وتصر على المكابرة، والفلسطينيون لا يزالون منقسمين. الأكيد انه متى توحّد البيت الفلسطيني الداخلي، فسيكون للقضية وضع آخر، وللسلام شأن آخر، وللمتاجرين رأي آخر! [email protected]