"إلى أحمد وفهد وسعود وآخرين لست أعرفهم الله يعرفهم". پظل جدي شيخ القرية على رغم أنه هاجر منها منذ صباه إلى المدينة لظروفه الخاصة. مازلت أذكر تلك الجلسة في البر حيث ملتقى الجبلين. يومها فقط عرفت لماذا يسمونه الجبل الثالث. بدا بين الجبلين كأنه جبل ثالث. عندما أطلت النظر إلى وجهه أحسست أنه منحوت من قطعة من الجبل. لون بشرته حنطي يبدو كما لو كان اكتسبه من سمرة تلك الجبال... إضافة إلى مهابته وضخامته. كان يرفض أن نجلس على سجادة أو حتى حصيرة. معللاً ذلك بقوله: -پمنها وإليها نعود. تمنى أحد الحاضرين أن تنقلب البطحاء التي نجلس عليها ذهباً خالصاً كي يبيعه ويغير حال القرية وأهلها، فغضب جدي حتى خشي الكل من غضبه، وهو لم يتكلم بعد. سكت الجميع حتى تحدث قائلاً: - هذه البطحاء وتربتها عندي أغلى من الذهب، وكل ما أتمناه أن تضمني هذه الأرض حين موتي، وأن يكون شاهد قبري قطعة صخر من هذا الجبل. دعا له الحاضرون بطول العمر، وغيروا موضوع الحديث بسرعة حول الأمطار والربيع"إلا أن دعاء الحاضرين لم يكن ذا فائدة، فقد مرض جدي أثناء وجوده في المدينة، ولم يطل مرضه، وتوفي بسرعة ودُفن هناك، وكان عمي سعود يدرس في الخارج وقت وفاة جدي، ولم تريد العائلة إبلاغه كي يتمكن من إنهاء دراسته، وحين عاد عمي وعرف بالقصة اختفى من القرية. تلقينا اتصالاً من شرطة المدينة بعد يومين، يفيد بوجود عمي لديهم، فذهب أبي إلى المدينة كي يكفله. حين سأل أبي عن تهمة عمي، أخبروه أن تهمة عمي"نبش القبور والتعدي على حرمة الموتى". حين سأل أبي عن الإجراء الذي سيتخذونه مع عمي، قالوا إنهم سيحيلونه إلى مستشفى الأمراض العقلية كي يتأكدوا من سلامة قواه العقلية. سألهم أبي عن سبب إحالة عمي إلى مستشفى الأمراض العقلية، ولماذا يريدون أن يتأكدوا من سلامة قواه العقلية؟ فقالوا إنهم يريدون أن يعرفوا: "ما الذي يجعل شخصاً متعلماً مثله يجلب تُربةً من قرية بعيدة عن المدينة ويحفر قبر أبيه، ليعيد دفنه مع ذلك التراب، ويضع شاهداً للقبر صخرة أحضرها معه من جبل القرية نفسها."