حوار دائم وسجال لا ينتهي، أدرك تماماً أن هناك سؤالاً محدداً في طرحه، مفتوحاً في مفهومه، قد يبدو بسيطاً وعادياً ولكنه يربك أياً كان متى ما توغل في أعماقه من حيث المعنى أو البعد. قد يكون لكل منا سؤال، ومن الطبيعي ان نختلف في الإجابة الصحيحة عنه من وجهة نظر كل منا، لنكتشف بعد ذلك من خلال تلك الإجابات والمبررات حجم الفراغات التي أصابت العقل الإنساني عموماً، وإنسان عصر العولمة خصوصاً. وبيني وبينك كل منا يعرف ان الحياة سؤال كبير، وهناك فروع وتشعبات لهذا السؤال، وللإجابة عنه قد نصل الى ما لا نهاية فيه، وفي هذه الجزئية بالذات هناك اتفاق بيني وبينك. في كل يوم هناك سؤال يختلف فيه أسلوب الطرح واختيار الإجابة المناسبة له، وهذا بدوره يختلف بحسب وقت وظرف طرح السؤال والمراد المبتغى من الإجابة، وهذا شيء طبيعي ومنطقي ودليل قطعي على استمرار الحياة وتطورها، فمن سمة الحياة الديناميكية بعيداً عن الركود والخمول، والدليل على ذلك تقبلنا لكثير من المفاهيم وأساليب الحياة والتي كانت تعد في ما سبق خارجة عن المألوف، واستثني من ذلك الحقائق الثابتة والمسلم بها من العادات والقيم، ومع ان الموضوع يُظهر للقارئ أن هناك اتفاقاً من حيث المبدأ إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالخلاف قائم في أسلوب التعاطي مع المستجدات على الحياة الاجتماعية التي نعيشها، خذ على سبيل المثال ناحية الرضا عن الذات لكل منا، قد يكون من نظرة عملية ان المقومات الأساسية للشؤون الحياتية متوافرة لدى الجميع، ولكن لو جلت في أعماق النفس لوجدت هناك تذمراً كبيراً وحالة من عدم الرضا تبتعد من المعقول او المنطقي. لم يعد الأمر يتوقف على التطلع في ما لدى الغير من نعم في رفاهية العيش والسيارات الفارهة وما الى غير ذلك من متع الدنيا، بل وصل الحال بالبعض الى عدم الرضا عن الذات، ولو كان عدم الرضا هذا يخص الشخصية من حيث الجوهر لكان شيئاً إيجابياً له مردود جيد في تطور الشخصية وإكسابها مهارات تطويرية تقودها الى صنع قرار في بناء حياة وإعمار كيان قائم بمجتمع، لكن الأمر ابعد من ذلك، وحتى لا اتهم بالمبالغة فيه، إذ إن الموضوع يأخذ شكلاً آخر في عدم الرضا عن الذات من حيث المظهر، وليت الأمر اقتصر على تهذيب الهندام وانتقاء أسلوب الكلام أثناء الحوار، بل الأمر تعدى ذلك بكثير وبلغ من الذروة لجعل من نرى على شاشات الفضائيات معياراً في الشكل والأسلوب حتى صارت شفاه"س"من الناس أو أنف"ص"آخر ماركة عالمية يسعى الكل للحصول عليها، حتى صار شباب هذا العصر في النهاية صوراً متكررة. لو نظرنا الى الأمر بجدية لما وجدت فيه أي ميزة تذكر سوى انه أصبح بحكم ما نعيشه من هوس"العولمة"المغلوطة بات لزاماً علينا ان نحث الخطى لنكون نسخة بشرية متكررة، ناسين او متناسين الفوارق الخلقية التي فرضتها الخلقة البشرية والحكمة الربانية فيها من تحقيق التكامل في الحياة، وليسهم التنوع في إشباع الرغبات وهو الذي يعطي الحياة حلاوتها ومعناها البعيد عن الجمود والتكرار، وإلا ما معنى ان نتشابه في المعالم المميزة لكل منا. أظن ان هناك اتفاقاً ولو في جزئية بسيطة من الموضوع بيني وبينك، هل من المعقول ونحن نعيش في زمن الحركة السريعة في الاتصال والتواصل العالمي، وما نتطلع اليه في ظل القرية الواحدة ان تتداخل فيه المفاهيم بين السرعة والجمود؟ وهل من المعقول ان نطلب السرعة في كل شيء حتى طالت وجباتنا لتسود الوجبات السريعة والعديمة الفائدة ثم نطلب الجمود في جهة أخرى، وكأننا نرى كائنات مستنسخة تحمل الصفات ذاتها للجميع من دون تميز، ثم ماذا بعد ذلك، وهل بقي حيز للشعراء للتغني بتنوع الخصال وإبراز جوانب الجمال فيها؟ وسواء كان الحوار صريحاً وبشكل واضح في هذا الموضوع، او موارياً ومتغافلاً عنه كموضوع يستحق النقاش فإنه سيظل مادة للحديث. التقيت احد الأشخاص وقد تحول الى صورة ما في ذهنه مع انه كان أضل مما هو عليه، وتبادر الى مخيلة كل منا سؤال قد نختلف على إجابته: الى متى سيستمر الرضا عن الذات بهذا الشكل الجديد؟ ام أن هناك رأياً آخر قد يطرأ على مخيلة هؤلاء عندما تتغير مقاييس الجمال ذات يوم عما هي عليه الآن؟ أتوافقني على هذا الكلام ام لا يزال هناك بيني وبينك سجال؟ [email protected]