أكاد أتميز من الغيظ كلما لاحت أمام ناظري صورة المرأة وخبرها بعنوان"امرأة تنتظر المساعدة للتخلص من زوجها"، وعبر نداء موجه إلى أهل الخير واليسر لمد يد العون بمبلغ 25 ألف ريال،"لتتمكن من الخلاص من زوجها مدمن المخدرات حتى تكون حرة طليقة تمارس ابسط حقوقها كمطلقة تستحق الضمان الاجتماعي وطلب المنح والقروض، وكأم يحق لها رعاية أطفالها لعدم أهلية الأب". إلى هنا يبدو الخبر عادياً، بيد أن الصدمة في ما يأتي، وأكاد اجزم لكم أيها القراء بأنكم ستتميزون من الغيظ مثلي حين تعلمون أن هذه المرأة التي عرضت صورها عبر إحدى الصحف المحلية تنادي بالمساعدة، فقد حكم عليها القاضي"بالقتل"، على رغم أحقيتها في الحياة لتصبح ميتة بين الأحياء، بعد أن سردت للقاضي قصتها ومأساتها بطردها ليلاً ونهاراً، وفضيحتها عبر الأهل والجيران من زوج نكد لا يعرف معروفاً وينكر منكراً، اعتاد شرب المسكر وتعاطي المخدرات، وكلما طلبت العيش عند أخوتها هددها وتوعدها بحرمانها من أبنائها، لدرجة أنه تطاول على أختها التي تحاول مساعدتها بإيوائها، فتضطر الزوجة للإذعان لتهديداته إلى أن رفعت دعوى قضائية تطلب فيها الطلاق،"ويا لظلم الرجال حين يعتقدون ويوقنون أن المرأة ما هي إلا جارية مستعبدة قد ملكها بصك شرعي لتصبح ملكاً له وكأنها قطعة ارض أو قطعة أثاث في بيته"... إذ كانت الصدمة المضاعفة، فلا الزوج يرعى حدود الله وتلك حدود الله فلا تعتدوها والقاضي ألزمها بإحضار 25 ألفاً لتتمكن من الطلاق منه، حينها نطقت غيظاً وغبناً وقهراً، وقالت:"سيدي القاضي بإمكانك إحالته للطب وعمل الفحوصات اللازمة لتتأكد من أنه يتعاطى المخدرات، ولكن من دون جدوى، إذ ذهبت كلماتها أدراج الرياح، يتردد صداها في أرجاء قاعة المحكمة"! والسؤال هو: ما الحكمة في هذا الحكم، وما أهمية، بل ما قيمة الوثائق بين يدي القاضي التي تؤكد عدم أهلية الزوج المدمن، وعدم الأمن على حياة الزوجة والأطفال معه في بيت واحد، بينما تقضي تلك الوثائق بأن الطلاق في هذه الحال الحكم الذي يرضي الله ويرضاه الضمير الإنساني، وإلا فما الحكمة فحكم يقضي بإبقاء المرأة مع زوج مدمن يدمرها ويدمر الأسرة بأكملها؟ والنتيجة هي زيادة أعباء المجتمع بأسرية تضيف إليه مشكلات كان يمكن حلها من البداية بالطلاق قبل أن تتفاقم؟ وهل من المعقول أن تبقى المرأة أسيرة المال لتفتدي نفسها به حتى ينفقه الزوج المدمن على مسكره ومخدراته؟ وهل مثل هذا الرجل جدير بأن يكون زوجاً وأباً يستبدل أسرته، وحياة المودة والرحمة، بمال ينفقه على إدمانه؟ وهل حياة الزوجة وحياة أبنائها وحريتهم وسلامتهم تقوم بالمقياس المالي نفسه الذي يقوم به عقار لفك رهنه؟ إنني في غاية الحزن على امرأة وقعت بين اثنين ? زوجها والحكم ? فلا زوجها بكامل عقله ووعيه ليحاسب على تصرفاته التي تسئ إلى قيم السُنة الربانية التي أوجبت المودة والرحمة في العلاقة الأسرية، ولا الحكم الذي غفل عن وضع المرأة اللا إنساني مع زوج رهن إنسانيته لعادة الإدمان، ما أفقده الإحساس بمعاناتها وآلامها، وبحقوق ومصير أبنائهما! [email protected]