تذكر الوثيقة التي نظم بها الرسول"صلى الله عليه وسلم"الحياة السياسية في دولة المدينةالمنورة، أسماء عشرة بطون من قبائل اليهود الذين كانوا يقيمون بالمدينة آنئذ، مقررة أنهم أمة من المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم، فهم مواطنون لهم في دولة المدينة النبوية مثل ما للمسلمين من حقوق. والكثير من اليهود، خصوصاً أحبارهم ممن كان بيثرب، كان قد أسلم وآمن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم كعبدالله بن سلام، ومخيريق، وزيد بن سعنة. هناك بقية من اليهود لم يغادروا المدينة، وبقوا على دينهم، وكانت لهم معاملات محددة وفق نظام سنّه الإسلام يحفظ حقوقهم، تحت أسماء ومصطلحات ذكرها الفقهاء في كتب الفقه، مثل: المعاهد، والذمي، وأهل الكتاب. إن قرار إجلاء اليهود عن الحجاز لم يكن وليد لحظة، أي لم يكن قراراً متعجلاً، فلا بد أنه كان نتيجة لتجاوزات متراكمة أقدم عليها اليهود، بدءاً من انتصار الرسول"صلى الله عليه وسلم"في بدر، وما أعقب ذلك من نشاطهم المحموم لدى قريش لإثارتها ضد المسلمين، مروراً ب"أحد"، وما قاموا به من تآمر مع قريش ضد المسلمين، ثم موقفهم من دية قتلى بني عامر. هذه الأسباب مجتمعة كانت وراء اتخاذ قرار إجلائهم عن المدينة، ولان تعامل الرسول"صلى الله عليه وسلم"معهم خلال أربع سنوات أثبت استحالة التعايش معهم، نظراً لأنهم كانوا خطراً يهدد أمن المجتمع واستقراره. كما أن قرار نفيهم عن المدينةالمنورة لم يكن قراراً شخصياً اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرادته، ولكنه كان بتوجيه إلهي، لقوله تعالى: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر. ومن أسباب إجلائهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أبرم مع يهود بني قريظة أكثر من عهد، ثم كانوا ينقضونه. فقد جاء في تفسير قوله تعالى: الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرةٍ وهم لا يتقون. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاهد يهود بني قريظة فنقضوا العهد وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا، ثم عاهدوه ثانية، فنقضوا ومالؤوا الكفار يوم الخندق. وعلى رغم قرار الإجلاء هذا فقد بقي بعضهم في المدينة، وفي أطرافها، ولا أدل على ذلك من حديث البخاري في"صحيحه"بسنده عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:"توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير". في العصر الأموي لم يعرف المسلمون في الأندلس التعصب الديني تجاه اليهود بتاتاً، بعكس ما فعل النصارى بهم حين خرج المسلمون، وقد تولى الوزارة في أثناء الحكم الإسلامي هنالك عدد لا بأس به من اليهود، منهم: الوزير الشاعر حسداي بن يوسف، وابن النغرالة، وإبراهيم بن سهل. ومن اليهود الذين هيأ لهم التسامح الديني الإسلامي في مجتمع الأندلس الظهور والنجاح، الطبيبان إلياس بن مدور، وإسحاق بن شمعون. كما تولى أبو النصر الفلاحي وأبو أسعد التستري، في عهد المستنصر، الوزارة. ذكر المسيري في"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"أسماء بعض من تسنم مناصب بارزة في بعض الولايات الإسلامية، منهم: يعقوب بن كلس 930 ? 991م، الذي عينه والي مصر كافور مستشاراً له، ثم أصبح وزيراً في عهد الخليفة العزيز، وسليمان بن عايش، وسليمان بن صادوق، وعائلة ابن شوشان، وعائلة العطار في الأندلس. كان المماليك يعطفون على اليهود ويحسنون معاملتهم، وقضى العالم اليهودي ميمون بن موسى سنة 1165م كأفضل سنة من سني حياته في مصر. وفي عهد الدولة العثمانية ساد الرخاء بين الطائفة اليهودية، ولم يلق اليهود أية بادرة عنصرية من المسلمين آنذاك. المؤرخ آرثر كوستلر تناول في كتابه"السبط الثالث عشر"الجذور التاريخية لليهود الأشكناز في بلاد الهزر، إذ أورد في كتابه مشاهدات الرحالة العربي ابن فضلان إلى تلك البلاد في أن المسلمين كانوا يعيشون جنباً إلى جنب على ضفاف نهر الفولغا. كما أن الكثير من الجاليات اليهودية لا تزال تعيش في بعض الدول العربية. ففي اليمن هناك ما لا يقل عن 200 يهودي يعيشون في قرية ريدة وحدها. وفي سورية والمغرب وتونس ومصر لا تزال هناك بعض الجاليات اليهودية التي ترفض الهجرة إلى فلسطين على رغم كل الإغراءات المعروضة عليهم. يعاملون بكل احترام وتقدير وإنسانية، لهم حقوقهم مثل أي مواطن في تلك الدول. بينما نرى أن اليهود عاشوا في أوروبا المسيحية يعانون الاضطهاد والتعذيب والطرد طبقاً لما توارثه المسيحيون عبر القرون من تعاليم كنسية. ولم تقف اللعنة التي ظلت تطارد اليهود، إزاء مواقفهم العدوانية من المسيح ? حسبما تقول الأناجيل ورسائل التلاميذ ? إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت خطوة حاسمة في هذا السبيل، تلك التي اتخذها البابا يوحنا الثالث والعشرون ? اعتلى كرسي البابوبة من أكتوبر 1958 إلى يونيو حزيران 1962 ? وذلك بحذف عبارة عدائية من صلاة الجمعة الحزينة تتحدث عن اليهود الملعونين، تداولتها الكنيسة عبر القرون من مفاهيم الإنجيل متى 27 - 25، مثل قوله:"أجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا". وكذلك من وصف بولس في"تسالونيك 1/14-16"لليهود بأنهم أعداء للإنسانية، وأن غضب الله عليهم إلى النهاية، وذلك في قوله:"اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن وهم غير مرضين لله، وأضداد لجميع الناس. يمنعوننا عن أن نكلم الأمم لكي يخلصوا، حتى يتمموا خطاياهم في كل حين. ولكن قد أدركهم الغضب إلى النهاية". ولعل أول هجوم على جماعة يهودية سجل في التاريخ هو هجوم المصريين على المعبد اليهودي في جزيرة الفنتاين في القرن الخامس قبل الميلاد. إذ كان هذا الهجوم موجهاً إلى جماعة وظيفية قتالية عميلة من الجنود المرتزقة التي وطنها فراعنة مصر هناك لحماية حدود مصر الجنوبية. وازدادت معاداة اليهود في الإسكندرية بسبب ترحيبهم بالغزو الروماني ومشاهدة الغزاة، لذلك ظهر مجموعة من الكتاب الهيلينيين في القرن الأول الميلادي، مثل: خايريمون"أستاذ نيرون"، وليسيماخوس، وآبيون يعادون اليهود. وفسرت واقعة الخروج أو الهجرة من مصر على هذا الأساس، وتم طرد اليهود من مصر عقب طرد الهكسوس. وفي نظرة سريعة على أهم الأحداث التي مرت في تاريخ اليهود، والتي تظهر اضطهاد الغرب لهم. نجد انه في عام 537م صدر مرسوم جستنيان الذي قضى بحرمان اليهود من الحقوق المدنية وحرية العبادة. وفي عام 613م أصدر ملك القوط أمراً يجبر اليهود في إسبانيا على اعتناق المسيحية. وفي عام 629م أصدر الملك"داجوبرت"أمراً يجبر اليهود على التعميد وطردهم من فرنسا. وفي عام 694م تم تحويل جميع اليهود في إسبانيا وبروفانس إلى عبيد. وفي عام 1096 قامت مذابح للطوائف اليهودية في أوروبا، خلال الحملة الصليبية الأولى. وفي عام 1099 حدثت أول مذبحة لليهود في كييف بروسيا. وفي عام 1182 قامت مذبحة لليهود في انكلترا، خلال الحملة الصليبية الثالثة. وفي عام 1254 طرد اليهود من فرنسا في عهد القديس لويس التاسع. وفي عام 1290 طرد اليهود من انكلترا. وفي السنوات من 1330 إلى 1338 انتشر الطاعون الذي أدى إلى مذابح لليهود، اعتقاداً بأنهم سبب الوباء. وفي عام 1394 تم الطرد الأخير لليهود من فرنسا في عهد شارل السادس. وفي عام 1421 طرد اليهود من فيينا. وفي عام 1481 أقيمت محاكم التفتيش في إسبانيا. وفي عام 1492 طرد اليهود من إسبانيا، ومن لتونيا عام 1495، ومن البرتغال عام 1498. وفي عام 1516 تم أول جيتو في فينيسيا. وفي عام 1553 أحرق البابا التلمود في روما. وفي السنوات من 1563 إلى 1656 حصلت مذابح عدة لليهود في أوكرانيا، وألمانيا، وبولندا، والنمسا. وفي عام 1670 طرد اليهود من فيينا. وفي عام 1740 طرد اليهود من براغ. وفي عام 1768 حصلت مذابح لليهود في أوكرانيا. وفي عام 1827 أمر القيصر نيقولا الأول بتحويل أطفال اليهود إجبارياً للمسيحية. وفي عام 1819 طرد اليهود من موسكو. وفي السنوات بين 1939 ? 1945 كانت الحرب العالمية الثانية وقضية مذابح اليهود. * باحث في الشؤون الإسلامية.