أتفق معك يا أستاذنا الفاضل فأنا السبب لأنني تركت حياتي المرفهة وركضت لأتمتع بالعمل في المدن الصغيرة، فالحق كله معك يا سيدي الفاضل فأنت وكما تعلم الوظائف متوافرة في مدينتي ولكن رغبتي في تغيير المكان أثرت في قراري، فالنهوض من الفراش قبل الفجر والعودة مع غروب الشمس سلوك محبب لأشعر بالإثارة في حياتي الفارغة، وأنا ? كما تعلم أو ربما لا تعلم - لست مسؤولة عن أسرة، وليس في رقبتي أب كهل أقعدته الشيخوخة وأعيته الحيلة لأقوم بالصرف عليه وعلى أفراد عائلته! راتبي يا سيدي لا يعنيني وانأ - كما تعلم - لا أنتظره بصبر فارغ، وإنما أعمل حباً في العمل، والراتب الذي يأتي آخر الشهر لا يصرف على آخره لسد جوع أسر مات البعض منها من البرد وسط فراشه المهلهل، وربما لا تملك الوقت الكافي ولا المقدرة على التخيل لتعلم كيف تأكل أسرة من عشرة أفراد، وكيف تلبس وكيف تتنقل من مكان لآخر؟ لذلك فنصيحتك الغالية ستكون دوماً في الاعتبار، ربما فاتتني الفرصة ولم أعمل بكل أسف بها وظل جسدي على الطرقات يعلن براءتك من دمي ومن تفحم جثتي أنا وزميلاتي، فنحن للأسف لسنا بناتك اللاتي خيرتهن بين الجلوس في المنزل أو الزواج، فأنت تعلم وكلنا نعلم أنك بهاتف واحد تستطيع تعيينهن في المكان الذي يرغبن فيه. وبناتك يا سيدي لسن مضطرات لحمل أكفانهن معهن في الذهاب والإياب كما تفضلت وصرحت على صفحات الصحيفة بأن الإدارة التي تنتمي إليها مسؤولة عن توفير عمل لي ولزميلاتي، لأننا يا سيدي نعمل مضطرات للعمل ونسمع كل يوم عن تفحم زميلاتنا هنا وهناك، ولم نتوقع بأن يكون هذا ردك العلني... فقد حلمنا كثيراً بأن تقوم الوزارة بتوفير أتوبيسات مجهزة، وسائق مؤهل يجيد القيادة، وملاحظ من الوزارة لكي تتأكد من عدم تعاطيه منشطات، وتوقعنا أن تقوم الوزارة بالتعاون مع وزارات أخرى بسفلتة الطرق وتوفير سيارات إسعاف وهواتف نجدة وشرطة بدلاً من تصريحك ذاك! ربما تصلك رسالتي وجسدي مسجى على الشارع العام ومغطى بورق جرائد وببقايا عباءتي المهترئة، وملامحي التي اختفت تماماً لأن نار الحريق شوهتها قبل أن تصل سيارات الإسعاف لإنقاذي، حتى ونحن متفحمات على الطرقات نتحمل خطأ وزارتك المعنية، فنحن السبب لأننا نبحث عن عمل شريف يحمينا من التسول، ونصيحتك الغالية بحمل أكفاننا معنا ربما تكون صالحة لزميلات لنا لم يتفحمن بعد على الطرقات. لو كنت يا استأذنا الفاضل ذقت طعم الجوع ومرارته لما كنت أعلنت نصيحتك تلك على الملأ، ولكنك كنت أجرأ من تكلم وبرأ نفسه، وقام بإدانتنا حتى ونحن أموات ومسجيات ومتفحمات على الطرقات! [email protected]