الأسير بين قضبان الحديد ينتظر لحظة تسريحه ليمارس حياته العادية، متلهفاً لعناق الأهل والأحباب، فكم تخيلهم وحادثهم ورسم صورهم في مخيلته وهو داخل جدران السجن الصماء، يمسي ويصبح على تبادل حب خالص وإحساس صادق تجاههم، يحركه حبه الدفين بين ضلوعه التي صارت شبيهة بجدران السجن لأنها تحبس ذلك الحب. وعندما حانت لحظة مغادرته السجن ها هو يسرع الخطى كطائر لا تحمله قدماه وحدهما بل طاقة أكبر، فرحاً بحضور المحبين في تلك اللحظة لاستقباله ليحسهم ويحسونه، يلمسهم ويلمسونه، بعد أن كان اتصاله بهم مجرد خيال عبر جدار السجن الصامتة. وما أن يستقر برهة بين محبيه ويتم التفاعل وتبادل الحب مع الآخر حتى يردد متحسراً: يا ليتني كنت أسيراً أتخيل، أحدث نفسي، أرسم صور المحبين عبر جدران صامتة جامدة لكنها ليست كاذبة ككذب بعض محبي هذا الزمان، يا ليتني بقيت أسيراً مع حب كنت أتخيله وأصوّره في وجداني، يا ليتني بقيت أسيراً داخل أضلع حبيسة مع بقايا حب أهون به على نفسي! لماذا نستجدي الحب من البشر وهو حب مهما بلغ ذروته، ومهما كانت درجة إخلاصه فهو قاصر، ناقص، زائل، وننسى ذاك الحب الذي يشعرك بأعظم درجات السعادة مهما بلغت من التعاسة، حب باقٍ، كامل، حب يشعرك بالحرية حتى وأنت أسير، إنه الحب الذي حدده كتابنا المقدس، القرآن المجيد قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. قال لنفسه وهو يعزيها: بهذا الحب الروحي الإيماني الصادق النقي سأصبح حراً طليقاًً، فكل حب ما سوى الله ورسوله ناقص، ناقص، ناقص. [email protected]