أصبحت جدة مدينة المفارقات العجيبة، إذ فيما تعيش في عز معاناتها مع شح المياه، وهي معاناة سنوية متكررة، وعمد تجار فيها إلى استخدام طريقة مثلى لاستثمار عطش المواطنين والمقيمين لتسويق منتجات أخرى، إذ شرعت محطات بيع الوقود في سباق محموم لتوزيع عبوات مياه صحية، لكل من يقوم بتعبئة عشر لترات من البنزين. صحيح أن العرب تقول:"إن الحاجة أم الاختراع"، لكن ليس إلى درجة استغلال حاجات الناس لاكتشاف حيل جديدة لتسويق منتجين في وقت واحد. توزيع المياه المعلبة في محطات الوقود أمر طبيعي، مثل توزيع علب المناديل، لكنه وفي عز أزمة المياه في محافظة جدة، يعطيك إيحاء بأن الماء أصبح أغلى من النفط، على رغم وصوله لأسعار خيالية. واستبدلت محطات بيع الوقود في جدة في الأيام الأخيرة، بعلب المناديل الرخيصة التي كانت تمنحها لزبائنها علب مياه صحية، تماشياً مع أزمة المياه التي تمر بها المحافظة مع بداية حلول فصل الصيف، وأصبح السائق محتاراً بين العروض المغرية الكثيرة التي تقدمها محطات الوقود، لدرجة أصبح يفضل معها هذه المحطة على تلك، لأن الأولى توزع نوعاً مميزاً من المياه المعلبة. ومن أبرز تلك العروض التي تستغل حاجة المواطن للماء، عرض تقدمه إحدى المحطات يمنح السائق علبة مياه معدنية سعة 1.5 لتر قيمتها ريالان، إذا ابتاع وقوداً بنزين 91 بعشرة ريالات، والذي يبلغ سعر اللتر الواحد منه 45 هللة، أو عند تعبئة وقود بقيمة خمسة ريالات من بنزين 95، الذي يبلغ سعر اللتر منه 60 هللة. وقال العامل في إحدى المحطات التي تجتذب الزبون عبر توزيع المياه محمد أصغر:"نوزع في كل يوم أكثر من 200 كرتونة من المياه، إضافة إلى توزيع ما يزيد على 50 كرتونة من المحارم الورقية، وعلى مقربة منا توجد أكثر من خمس محطات في المنطقة نفسها، وكلها تمارس الشيء نفسه، والاختلاف بيننا وبينهم يكمن في أننا نوزع نوعية مياه صحية من مصدر مختلف، وعملاؤنا مسرورون بذلك". وقال المواطن نادر السيد:"كنت أغضب من عامل المحطة عندما يعطيني علبة المحارم الورقية عند تعبئة الوقود، نظراً لامتلاء سيارتي ومنزلي بتلك النوعية الرديئة من المحارم، أما الآن فأصبحت أطلب قنينة المياه الصحية قبل تعبئة خزان الوقود، وعند تعبئتي بقيمة 20 ريالاً أحرص على أخذ قنينتين". أما المواطن محمد الحربي فيقول متسائلاً:"أود معرفة مقدار الربح الذي يتحصل عليه أصحاب محطات الوقود، خصوصاً وأنهم يقدمون مثل هذه الهدايا لجذب الزبائن وكسب ودهم". وقال مدير إدارة المبيعات المحلية والمساندة الفنية في أرامكو السعودية فيصل المعيقل:"إن هامش الربح بالنسبة لملاك محطات الوقود زاد بعد المكرمة الملكية الأخيرة، كما أن سعر النفط المحلي لا علاقة له بارتفاع أسعار النفط على المستوى العالمي، وتوزيع قناني المياه الصحية على الزبائن دليل على كرم ملاك المحطات في جدة".