دأب الإعلام الغربي، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 على إلصاق دعاوى الإرهاب بالإسلام، وبالمملكة العربية السعودية باعتبار وجود الحرمين الشريفين فيها، وتمثيلها لهذا الدين الذي يدين به أكثر من ثلث سكان الأرض، ويكفي كشاهد على هذا الربط بين الإسلام والإرهاب ما تحمله الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من طابع تعريضي بثقافة المملكة وتقاليدها وجذورها، فضلاً عن الرسوم الكاريكاتورية، التي خصصت للنيل من مجتمعنا على وجه الخصوص، إضافة إلى تضخيم بعض الأمور السعودية الداخلية الخاصة بالمملكة، بمحاولة التدخل فيها عن طريق إسقاط نظرتهم للأمور وثقافتهم على مجتمعنا، وإغفال مفهومنا حول هذه الأمور العادية، بل وتضخيم بعض الممارسات الفردية السلبية، وتعميمها على المجتمع ككل، وشحن الرأي العام الدولي! هذا الوضع يتطلب الخروج بصيغة عقلانية في التخاطب مع الغرب تبتعد عن جذور الفهم الخاطئ الذي تكون لديهم عن ديننا وثقافتنا، والذي كان مصدره ردود الفعل السلبية التي تراكمت بسبب الأعمال المشينة التي قام بها التيار الإرهابي والتكفيري، الذي لا يعترف بالاختلاف والتنوع كسنة إلهية بين خلقه في الأرض، ولا يدرك المبدأ الإسلامي الذي يقرر التعامل مع الإنسانية باعتبارها كياناً محترماً على رغم ادعائه الانتماء للإسلام، ويتجاوز ذلك ليكفر كل من يعترض طريقه، إضافة إلى تقصيرنا في محاولة فهم الآخر، وأقصد هنا العالم الغربي، وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى تعاملنا معه بفوقية أفقدتنا منهجية التعامل الصحيحة، والمتوازنة التي علمنا إياها ديننا الحنيف، الذي احترم الإنسان لفطرته بغض النظر عن معتقده، الذي يدخل في شأنه الخاص شريطة ألا يؤدي إلى ما فيه مضرة للمجموع. وكانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بشأن التعاون بين الأديان، تحمل ملامح الخطاب العقلاني الذي نحتاج إليه، بتركيزها على المصلحة المشتركة التي تهم جميع الملتزمين بالأديان، والتي أصبحت من الأمور الغائبة عن الإنسان الذي يعيش هذا العصر، والتي من أهمها نبذ العنف والإرهاب بشتى صوره الفكري منه، الذي يفخخ العقول بالضغينة على كل مختلف، والثقافي الذي يستهتر بالمعتقدات والمقدسات والتقاليد ويستهزئ بها، ونبذ كل ما تؤدي إليه أشكال الإرهاب هذه من ازدياد بؤر الاختلاف والتناحر في العالم، وتأجيج الضغينة على أسس عقدية أو عرقية أو ثقافية أو جغرافية، إضافة إلى تركيز هذه المبادرة على جانب القيم والأخلاق التي لا يختلف أحد على أهميتها، وعلى رغم ذلك لم يصبح لها وجود في ظل اكتساح المادية، والنظر للمصالح الفردية وتبريرها مهما كان أثرها في البقية، والتي باتت الطريقة المتبعة في تفسير التعاملات الإنسانية والباعث على إنشائها، إضافة إلى انتشار ثقافة التعري في عودة لعصور ما قبل التمدن، والتي لم يكن الإنسان خلالها يعرف معنى الاحتشام ومعناه الحضاري الذي يعكسه، والذي اطرد مع ازدياد قيمة العقيدة والالتزام بها، والتي أدت للرقي الحضاري الذي لا يكون بلا وجود ديانة سماوية منظمة للتعاملات وواضعة للشرائع، إضافة إلى انتشار النزعة اللادينية والتي لا ترى للدين دوراً في تنظيم الحياة الفكرية ولا الروحية، وتتطرف لحد عدم الإيمان بوجود خالق لهذا الكون، والتي زاد من وطأتها اكتساح المادية في العالم على مستوى جميع التعاملات. هذا التخاطب العقلاني الذي ينبذ هذه الحال التي وصل إليها إنسان هذا العصر، والذي يكون منطلقه معتمداً على العقل المعضلة الجامعة للجميع على اختلاف توجهاتهم وثقافاتهم من شأنه أن يقلل من ردود فعل الإعلام الغربي واحتقانه ضد المسلمين والعرب، وتجاه قضايانا الخاصة، بما يكفل توضيح صورة المجتمع التي تحمل السلبي والإيجابي، إضافة لتوضيح الصورة الإسلامية التي يتبناها هذا المجتمع والوصول به لتغيير الفكرة السائدة التي تربط بينه وبين التخلف والإرهاب. وصدور هذه المبادرة يعني أن المملكة بعيدة كل البعد عن التصرفات، التي يمثلها التيار الإرهابي والتيار التكفيري المضاد لمبدأ الاختلاف والحوار، ويؤكد أنها من الأمور الدخيلة على الإسلام والمسلمين. إن فكرة التعاون المشترك بين المختلفين والتي تميزت بها مبادرة خادم الحرمين الشريفين طبقت داخلياً قبل أن توضع على طاولة المجتمع العالمي، وذلك عندما دعا خادم الحرمين الشريفين كل شرائح المجتمع السعودي وفئاته للانضواء تحت مظلة الحوار الوطني، وهو ما أدى إلى تضييق الفجوة بين هذه الفئات وزيادة هامش الحرية على أساس الحوار، الذي يقوم على احترام الآخر مهما بدا حجم الاختلاف. هذه المبادرات التي تعرف مكمن الداء في النزاعات، التي كان مصدرها التركيز على نقاط الاختلاف والتنازع من دون النظر إلى جوانب الاتفاق والالتقاء، لم تقتصر على الحوار الداخلي وانتقلت إلى المستوى العربي خصوصاً في القضيتين العراقية والفلسطينية، إذ كان شهر تشرين الأول أكتوبر عام 2006 فرصة مناسبة لالتقاء الأشقاء المتنازعين في القضية العراقية، إذ كانت تستخدم الاختلافات المذهبية لتوسيع دائرة النزاع السياسي في ترسيخ الحكم في العراق، والاتفاق الذي تم العام الماضي، وتم الجمع فيه بين منظمتي "فتح"وپ"حماس"في محاولة للم شعث القضية الفلسطينية. وتوجت هذه المبادرات بالمبادرة العالمية للحوار، التي ركزت في مبدأها على فطرة الإنسان، المادة التي يشترك فيها جميع البشر على اختلاف أماكنهم وأزمانهم وثقافاتهم، وتدعو دائماً إلى انتهاج طريق الخير والبعد عن الشر، وعمل ما ينفع البشرية وترك ما يتنافى مع الأخلاقيات التي يتفق عليها الجميع ويتعاملون بها. پ[email protected]