لا تملك عندما تتحدث عن الدكتور غازي القصيبي إلا أن تستعين بثلثي حواسك الخمس، فهو شاعر، وأديب، وديبلوماسي، ورجل دولة ووزير. إنه رجل لديه من المقومات ما يُعْجِز الكثيرين، وبالقدر ذاته يثير مثلهم حالة جدلية مزمنة ترافقه منذ توليه وزارة الصناعة والكهرباء، فالصحة وحتى وزارة العمل، مروراً بمناصبه ومهامه الديبلوماسية والرسمية، ولعل منصبه في وزارة العمل يعد منعطفاً حاداً يعيشه القصيبي، إذ إن ما تتطلبه المهمة الجديدة من مرونة يملكها الوزير الجدلي في دفاتر أشعاره. ولكن على ارض الواقع هناك الكثير من المفارقات، فالبطالة تنهش في عجلة التنمية الاقتصادية، وحلولها تنهش في ذهن الوزير المتحمس لحلحلتها، وبما أن الحماسة تدفع إلى الاندفاع، فذلك يبرر ما يحدث الآن في سوق العمل، ويبرر - إلى حد ما - الاتهامات التي يوجهها رجال الأعمال إلى الوزير، لدرجة لا استبعد معها ان يتم اتهامه مستقبلاً بأنه السبب وراء ارتفاع نسب الطلاق، وتنامي العنوسة، بجانب اتهامه بالتسبب في رفع الأسعار لشح العمالة، وأيضاً هجرة رؤوس الأموال! الاتهامات تحاصر القصيبي، وقد يجانب... واعتقد أن سبب تلك الاتهامات يعود إلى أن الوزير لم يتمكن - على رغم ما يمتلكه من أدوات - من التواصل مع رجال الأعمال، والتوصل إلى صيغة مشتركة تلبي أهداف الجميع في آن واحد. لا يوجد هناك من يستطيع ان يشكك في سمو أهدافه النابعة من أخلاقياته، لكن الأرضية المشتركة التي يقف عليها مع رجال الأعمال لا تتسع لهذا الكم من التضاد في المصالح الذي تشهده سوق العمل اليوم! فإذا كنا نتحدث عن السعودة - كخيار وطني- لا يجيز لنا ذلك ان نؤثر سلباً على قطاع الأعمال، فهو أيضاً سعودي قلباً وقالباً، لذلك فالخيارات غالباً ما يكون أحلاها مراً، لكن طالما ان موضوع البطالة والسعودة والخيارات سبقني الكثير من الزملاء إلى طرقه، فلا اعتقد ان هناك جدوى تُرجى من إعادة ما طرح، إذ ان ما لفت نظري ودفعني إلى الكتابة هو التضارب في التصريحات حيال وضع الحد الأدنى للأجور بين الوزير ونائبه، ففي تصريح لنائب الوزير الدكتور عبدالواحد الحميد مطلع هذا العام قال:"إن الوزارة لا تنوي زيادة الحد الأدنى لأجور السعوديين العاملين لدى القطاع الخاص"، محذراً من أن حدوث ذلك"قد يؤدي إلى تبديل السعوديين بأجانب"، معرباً"عن خشيته من أن يثير إجراء من ذلك القبيل اتهامات من منظمة العمل الدولية للسعودية ب"التمييز"! وكنت كتبت في هذه المساحة عن انه لا يوجد ما يمنع تمييز أبنائنا فهم في بلدهم، لكنَّ تصريحاً منافياً ورد أخيراً على لسان الوزير الدكتور غازي القصيبي، قال فيه ان بلاده"تدرس وضع حد أدنى للأجور"! هذا التضارب في التصريحات بين الوزير ونائبه، لا بد ان يخلق إرباكاً للصورة التي تسعى وزارة العمل للظهور بها، وهو ما يدفع الكثيرين إلى كيل الاتهامات ضد الوزارة، بل"وشخصنة"تلك الاتهامات، وحصرها في الوزير فقط! لا شك أن السعودة أخذت إبعاداً كثيرة، وكُّل يتناولها من منظوره أو تجربته الشخصية، من دون النظر إلى المصلحة العامة، واعتقد أن ما يحدث الآن خارج عن إطار المواطنة والواجبات التي ينبغي ان يتحلى بها كل طرف، سواء كان رجل أعمال أو مسؤولاً أو طالب عمل... فالسعودة لا تعني دفع رجال الأعمال إلى الهجرة، ولا تعني أيضاً التغاضي عن إهمال ثقافة العمل التي يفتقدها الكثير منا، وأيضاً لا تعني ان تعجز مؤسسات الدولة، سواء كانت عامة أو أهلية، عن احتواء مخرجات العمل. ما نطالب به الدكتور القصيبي هو الحلول، فهو على رأس وزارة هذا دورها، والحلول لها أبواب كثيرة، ومفاتيحها في جيبه، وندعوه مثلما خاطب مخترع الفياجرا بقوله: "يا سيدي المخترع العظيم يا من صنعت بلسما قضى على مواجع الكهولة وأيقظ الفحولة أما لديك بلسم يعيد في أمتنا الرجولة"؟! ان يخاطب متطلبات هذه المرحلة"ليزيد في أمتنا السيولة". [email protected]