يصادف هذا الشهر مرور خمس سنوات على سقوط بغداد بأيدي التتار الجدد، وهولاكو الثاني، والكل في أزمة، والمتضرر الأول والأكبر الشعب العراقي، وربما المستفيد الأكبر"إيران". حين وصل التتار إلى أطراف بغداد عام 656 ه ثم قتلوا الخليفة و40 من العلماء والفقهاء واستباحوا بغداد 40 يوماً، وقد قدر ابن كثير في موسوعته"البداية والنهاية"بأن عدد القتلى بلغ ألف ألف، وفي رواية بزيادة 200 ألف، فاجتمع على بغداد"الطعي - أي القتل - والطاعون والغلاء"حتى تركت جثث القتلى في الشوارع ولم تجد من يدفنها. هولاكو الثاني بريمر حين وصل بغداد - يقول في مذكراته - انه رأها تحترق والدخان يتصاعد، واللصوص ينهبون، والجيش الأميركي لا يتحرك... جاء"بريمر"ولديه تفويض أن يفعل ما يشاء فقام: بإنهاء الدولة كلياً كما فعل أخوه هولاكو عام 656ه. لم يهتم بكل ما يحصل ولم يحافظ إلا على وزارة"النفط"ليحفظ ما فيها من معلومات ووثائق تتعلق بالذهب الأسود، وهو كل ما يعنيه من أمر العراق وشعب العراق. أحرقت 14 وزارة ونهب المتحف العراقي، وأحرقت مكتبة الأوقاف ونهبت الجامعات والشركات الحكومية. أما قصور صدام فكانت من نصيب هولاكو وجيشه. سلم"هولاكو"العراق للشيعة والأكراد، واستبعد السنة كلياً، وعندما يسأل يكون الرد"من يقاتلنا غير السنة"؟ أحل الجيش والشرطة فترك البلاد ساحة مستباحة فتحركت أجهزة المخابرات الإيرانية والإسرائيلية والكثير من دول الجوار. اخترع هولاكو سياسة"المحاصصة"وراح يتلاعب في مكونات الشعب العراقي، فراح يكرر في مذكراته أن الشيعة والأكراد يشكلون 80 في المئة من العشب العراقي، وهو أمر لا صحة له. إن المحاصصة هدفها تقسيم الشعب العراقي وزيادة تقسيمه وهذا ما حصل فعلاً، هو لم يخترع"التقسيم"، ولكن أشعل النار فيه. يبقى تقسيم الأرض إلى ثلاث دول - كما يرى المحافظون الجدد - بناء على ما ورد في الأناجيل و"رؤيا يوحنا"حيث تقسم"بابل"إلى ثلاثة أقسام. لاحظ وزير العدل السابق"مالك دوهان الحسن"وجود خرائط لثلاث دول"كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في جنوبالعراق"وهذا قبل غزو العراق بأكثر من عام. تقسيم العراق فكرة مطلوبة من المحافظين الجدد ... شجعت ولا تزال"إيران"وأتباعها في العراق، فجرى طرح الفيديرالية لهذا الغرض. وحتى طبقت الفيديرالية فيكون قد تحققت أهداف كبيرة في العراق: القضاء على الدولة والجيش والشرطة وتقسيم الشعب والأرض. سيكون المستفيد الأكبر من ذلك إيران وأتباعها في العراق. بعد مرور خمس سنوات فالحصيلة أكثر من مليون قتيل من الشعب العراقي، وتهجير من 4 إلى 5 ملايين عراقي خارج العراق وداخله. يوجد اليوم، بحسب الإحصاء الرسمية، أكثر من خمسة ملايين يتيم إلى جانب مليون أرملة ونصف مليون مشرد، و80 ألف طفل في السجون العراقية والأميركية، والموجود لدى الحكومة العراقية من الأيتام نصف مليون يتيم، والمعلومة صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية. بعد خمس سنوات من الغزو ما زال العراق يشكو من بطالة تصل إلى نصف عدد القادرين على العمل. الماء شحيح وغير صحي ومختلط مع مياه المجاري. النفط والبنزين قليل شحيح ويهرب إلى إيران وبعض الدول. ما زال الشعب العراقي يعيش على المواد التموينية وهي سيئة وقليلة ومع ذلك فقد الكثير من العراقيين جوعاً؟ يبلغ الفساد والسرقة والنهب للحال العام جداً لا مثيل له فهولاكو الثاني بريمر متهم بنهب ما يقارب بليون دولار اختفت وجرى التحقيق معه عن مصيرها. وزير دفاع عراقي متهم ومتابع من"الإنتربول"متهم سرقة بليون دولار. تقدر جهات من هيئات عالمية لحقوق الإنسان، ومنها بريطانية بأنه تجاوز عدد القتلى من العراقيين مليون قتيل. السجون الأميركية والعراقية مملوءة بالمعتقلين منذ سنوات ولا يحقق معهم ولا يطلقون والعدد يتجاوز"50"ألفاً بينهم الكثير من القصر. شهدت السجون الأميركية والعراقية أنواعاً من التعذيب والإهمال للموقوفين فانتشرت بينهم الأمراض مثل السل والجرب وأمثالها. انتشر قتل الموقوفين - بعد تسليم أوراقهم - ورميهم بعيداً كي لا يعرفهم أحد. الكهرباء شبه معدومة ولا تعمل أكثر من ساعة يومياً، حتى في شمال العراقوجنوبه... وهناك معدات يرفض الأميركيون تركيبها مع كونها اشتريت من ألمانيا وبموافقة من هيئة الأمم. يجري يومياً قتل بعض القيادات العسكرية، خصوصاً لمن كان له فاعلية في الحرب على إيران. قتل الأساتذة في الجامعات ويخوفون ويختطفون، ما جعلهم يغادرون البلاد فأثر ذلك على مستوى التعليم في كل مراحله. إن الأحلام الأميركية في العراق تبخرت، وصار الحلم الأكبر: كيف يمكن أن يخرج الجيش الأميركي وفي أقرب وقت، وبأقل الخسائر؟ إذا جرى تقسيم العراق، وهو ما تعمل له إسرائيل والمحافظون الجدد، فإن المنطقة كلها من دون استثناء ستتفتت كي تكون إسرائيل هي القوة الأولى في المنطقة. فهل تدرك الدول المجاورة ذلك، أم تنتظر حتى ترى"النار"وقد اشتعلت في كل المنطقة؟ واختتم بقوله تعالى: هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض"الأنعام - 65" * الأمين العام لمجلس علماء العراق