أكد الناقد التونسي حمادي صمود، أن العرب"تعلموا من البنيوية كيف يبحثون في تراثنا عن الأنساق المضمرة المتأهبة للظهور، ونحن استطعنا أن نبتعث منها بعض تلك الأنساق، سواء في دراستنا للتراث اللغوي أو البلاغي أو العلوم المتصلة بالقرآن، مثل التفسير". واعتبر أن كثيراً من الجدل والخصام الذي قام حول البنيوية هو"خصام في كثير منه لا ينبني على معطيات موضوعية". وأشار صمود في محاضرة ألقاها في نادي أدبي"الشرقية"مساء السبت الماضي بعنوان"النقد الحديث والمتون التراثية"أدارها الدكتور عبدالعزيز السليمان، إلى أن"أكثر الذين واجهوا البنيوية يؤمنون بأهمية الفواعل التاريخية والاجتماعية في بناء الأدب"، مستطرداً بأن"بعضهم طور منهجه واستطاع الاحتفاظ بالبنية مع إيجاد علاقات تماثل بينها وبين السياق، بتوسط ما يسمّى الوعي الفردي أو الجمعي"، منوهاً إلى ان جيله"رُبي على هذا المنهج، واستفاد منه"، معتبراً أن"أهم ما جاء في البنيوية هو فكرة النسق". وبعدما تحدث صمود عن الفترة التي ساد فيها"الاعتقاد بأن قائل النص ومبدعه هو صاحبه والمتحكم فيه"، أوضح أن البنيوية هي"نتاج موت المؤلف"، الذي عرفه ب"استقلال معنى النص عن قائله، وتعدد ذلك المعنى في مختلف الأصوات القائمة فيه، حتى كأن المؤلف لا سلطان له عليه، إضافة إلى أن المعنى إنتاج داخلي لفعاليات النص، وأن العلامات القائمة في النص قادرة على أن تنتج الدلالات، بحكم ما يقوم بينها من علاقات خارج كل حاجة إلى نسق خارجي"، مؤكداً أن أهم ما جاء في البنيوية"هو في منظوري فكرة النسق". وعرج صمود إلى بنية أخرى وهي بنية"النظم"، لافتاً إلى أن"كثيراً من الناس لا ينتبه لها". وعزا ذلك إلى"صعوبة الوصول إليها، وأن بعضهم يتساءل"لماذا جاءت نظرية النظم في كتاب عنوانه"دلائل الإعجاز؟"، مجيباً بأن"الإعجاز البياني قائم على مسلمة أساسية هي تحويل ما هو في العقيدة إلى ما هو في الاستدلال"، معدداً أهم مفارقات ذلك، وهي"معترك الأقران في إعجاز القرآن"وثاني المفارقات"أن الإعجاز البياني مخالف للعلم". واستطرد في شرح وتفصيل نظرية"المنظومة البلاغية القديمة"، التي أوضح أنها"حاولت تأسيس وتأصيل آليات القراءة المختلفة، وانتهت إلى جملة من المقررات أصبحت بمثابة المقدمات الضرورية في معالجة مسألة القراءة ومسألة المعنى في النص"، مقسماً مستويات المعنى في النص إلى: المستوى السطحي"المعاني الأول"، والعميق التأويلي"المعاني الثواني"، و"معانٍ أخرى"، قال إنها"تأتي من طريق الاستدلال"، منبهاً إلى أن هذا"ما يفسر مثلاً وجود باب للاستدلال في كتاب"مفتاح العلوم"للسدادي". وأضاف بأن"هذه العلاقة لمن يقرأ هي علاقة مستويات المعنى في النص، إذ من المعاني ما لا يمكن الوصول إليه إلا بالاستدلال"، مشدداً على أن"النص لا يقف أيضاً حتى عند هذا المستوى"، معرجاً على القول بأن كتاب"الحيوان"للجاحظ هو"أهم المشاريع السيميائية التي تنتهي إلى غاية قصوى، وهي الوقوف على معنى المعاني، وهو الله سبحانه". كما تحدث عن"أدوات القراءة"، مشدداً على أن"أهم ما في القراءة هي أداة القراءة أي الشبكة التي ننظر بها إلى النصوص"، مضيفاً أن"لكل واحد منا شبكته التي يستطيع أن يطورها، إذ القارئ بعكس ما كانت تذهب إليه النظريات السابقة من أنه"ساكن"، هو في حال"حوار مستمر مع النص بل انه"هو ذاته نص"، معرفاً النص الرديء بأنه"ما وقع في أفق الترقب"والنص المهم"ما يأتي عكس ما نتوقع".