نداء إلى من يهمه الأمر من الوزراء والمسؤولين والمستثمرين والتجار وغيرهم، نداء أتمنى أن يجد من يصغي إليه، ثم لا يبقى حبيس الأدراج والملفات، نداء أتمنى ألا يرد عليه بعبارات تلميع الذات، وتهوين الأمر لطمأنة الناس، مرارة الواقع الذي يئن المواطن ويتألم منه، فقد مرت بالمدينة أيام عصيبة لا تختلف عن أيام أزمة سكان مصر الحالية مع انعدام الخبز! لقد بدا لي أن اكتب عنواناً آخر هو"عرب بلا خبز"وكأنها مجاعة عربية جماعية، لكني آثرت أن اقتصر الكتابة على ما أراه هنا في بلدي، لأنني كلما التفت يميناً وشمالاً أشاهد المعاناة بأم عيني، فعلى أبواب مخازن الدقيق، وعلى أبواب الأفران أرى الزحام والعراك العجيب بين الناس، ما دعا بعض الأفران إلى قفل أبوابها لعدم وجود الدقيق مادة العيش الرئيسي للإنسان، وللعلم فسعر كيس الدقيق أصبح 135 ريالاً بعد أن كان 39 ريالاً فقط، حتى أن الواحد منا يطوف بالسوق طولاً وعرضاً ولا يحصل على كيس دقيق! وفي الشارع المقابل لسكني تم إقفال ثلاثة أفران في يوم واحد، بل واتسع الأمر ليصل إلى حد التحكم في كمية الطلب، فمن يطلب خبزاً بثلاثة ريالات لا يُعطي خبزاً بأكثر من ريالين فقط لأجل الوفاء بالطلبات الأخرى، وقد تقلصت أطراف الرغيف ليصبح بوزن النصف عن السابق، ومن يريد لعائلته الكبيرة خبزاً كافياً عليه أن يقف في الصف فجرًا ليحصل على الكمية المطلوبة! وإنني عبر ندائي هذا أناشد أصحاب الضمائر بعدم استغلال حاجة الناس، خصوصاً في معيشتهم اليومية، كما أناشد المستهلكين عدم الإسراف، والعودة إلى هدى الله، الذي نهانا عن الإسراف والتبذير ودعانا للمحافظة على النعمة، حتى لا نرى أكوام فضلات الخبز تُلقى في المزابل، أو على أبواب العمائر بكميات كبيرة تثير حزن وشفقة كل الناس. وأكاد أجزم بأن ما نحن فيه من غلاء فاحش ما هو إلا لتبطرنا على نعمة الله، فبالأمس ذقنا مرارة غلاء الأرز، وتحطم الأسهم، وزيادة أسعار الألبان إلى الضعف أحيانا... واليوم نتذوق مرارة ندرة الدقيق والخبز، وأخشى أن يكون المقبل أسوأ إذا لم نفق ونعيد النظر في نمط معيشتنا، وفي اعتقادي أن ذلك يكون في اتجاهين، اتجاه المسؤولين، كل في موقعه وبحسب مسؤولياته، واتجاه المواطنين كمسلمين بشكر النعمة والمحافظة عليها وتذكر الآية الكريمة إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين فكم بذرنا وأسرفنا وأهملنا، وما نشهده عند مداخل العمائر والمزابل من طعام مُلقى خير دليل، وما تشهده أفراحنا من إسراف أكبر دليل على ما فرطنا في حق الله وحق أنفسنا، فأتمنى أن نحرم بسلوكنا الاستهلاكي من أول مواد المعيشة"الخبز"، كما أتمنى أن يراعي التجار وأصحاب المخازن كونهم في مدينة الرسول"صلى الله عليه وسلم"... ومع فرحتي بأن الأزمة انفرجت قليلاً، وإن كان ذلك بصورة أخف من ذي قبل، ولكنها موجودة! [email protected]