كثيراً ما تتكرر على مسامعي عبارات تحمل معاني الضعف والانكسار والتبعية، وذلك منذ كنت طفلة، كعبارات"الدول النامية"و"دول العالم الثالث"، و"الدول المتخلفة"... وكنت يومها لا أستسيغها، لأنني أحسب أننا متطورون، فعندنا التكنولوجيا والطاقة الكهربائية وموارد البترول والأبنية العصرية والمؤسسات التعليمية، وبنظرتي الطفولية تلك أحسست بأن ما يقال عنا إنما مصدره الحسد والمكر ليس إلا! وإذا أقررنا بالتخلف، فمن استقراء الواقع واستحضار البراهين ندرك أن من اكبر الأسباب على سبيل المثال أولاً: فصل الدين عن سلطة الحكم في كثير من الدول الإسلامية، علماً بأن الارتباط بينهما وثيق وقوي، وليس أدل عليه من أن شريعة القرآن تنص على ذلك الارتباط، وإذا قال قائل إن الغرب نجح بعد تمرده على أوامر الكنيسة فأقول: ومن قال إن الغربي قد حقق النجاح؟ وهل في استغلاله لموارد ثروات الدول النامية لإفقارها وإبقائها متخلفة، فأي مجد يعتد به؟ بعد أن فضلوا الدنيا على الدين. ثانياً: محاكاة الرجل الأبيض في كل شيء، بل وصلت المحاكاة عند البعض للتنكر لكل شيء إلا الغربي بقوانينه التي تبيح كل محرم باسم حقوق الإنسان"حتى قال احدهم إنا عزمنا أن نأخذ كل ما عند الغربيين حتى الالتهابات التي في صدورهم وفي أمعائهم"! ثالثاً: النظرة الدونية للأعراق المختلفة التي تلعب دورها في التفرقة العنصرية وعرقلة النهضة في العالم الإسلامي، فهذا متحضر إذا اتبع نمط حياتهم وسار على نهجهم، وهذا رجعي لأنه يتمسك بتعاليم دينه وقيم أخلاقه. رابعاً: الفقر الأخلاقي الذي ابتليت به شريحة منا ليست بالقليلة، وهو من أسباب انتكاسة المسلمين. خامساً: الإغراق في الماديات على حساب الروحانيات، وقد عبّر الدكتور الأميركي"ديفيد كيرويت""الحاج داوود"عن أسفه من إهمال المسلمين للأسس الروحية للإسلام على حساب الماديات. سادساً: قتل المواهب والإبداع وعدم تهيئة الجو الملائم لإبرازها، وقد وصف احد الكتّاب ذلك بقوله:"الموهبة لدى الغربي مناط التكليف ولدى الشرقي مناط التأديب". سابعاً: عقدة التغني بأمجاد الماضي من دون استخدام الوعي الثقافي بحقائق التاريخ، واستنباط العِبَر لإعادة بعث تلك الحضارة الإنسانية العالمية الراقية. ثامناً: من أهم أسباب انهيار تلك، إفراغها من مضامينها الإنسانية وإفقادها لخصائصها الثقافية والفكرية، ما أدى إلى الصراع الثقافي الفكري بين"تقدميين"و"رجعيين"، وكأننا ملتان وليس ملة واحدة تدين بالدين ذاته، وتؤمن بتعاليمه. ما تقدم بعض أسباب تأخرنا عن اللحاق بالركب، ومع ذلك الأمل فينا حي، لنعيد صياغة واقعنا بهدي تعاليم ديننا، لنعيد تاريخ أننا أمة حضارية ناضجة الوعي والمسؤولية. [email protected]