تتكي نصوص المجموعة الجديدة للشاعر اليمني محمد اللوزي"إجازة جيري"مركز عبادي للطباعة والنشر 2008 على لغة وتكنيك الصورة على ما باتت تولدها ثقافة الميديا. حيث تحل الصورة بديلاً عن الكلام أو هي تقوله بطريقة شائقة وخاطفة لا تجعل المتلقي يتسمر في التأمل والتفكير، حد التحنط، على غرار ما قد تحدثه قراءة معلقة من معلقات الشعر الجاهلي. على العكس من ذلك نلفى في نصوص المجموعة خفة وتطريب ينهضان على الومض والتكثيف تماماً، كما هي عليه حركية الفلاشات الإعلانية المصورة والفيديو كليب. فبدءاً من عنوانها الذي يحيل إلى الشخصيتين الكرتونيتين"توم"و"جيري"تنبني قصائد المجموعة وتتحرك في رشاقة فضاء الصورة المضادة للكدر. فالجملة الشعرية ترتسم على ليونة ورهافة، وتنهل من ذكاء اختيار المشهد وإتقان تركيبه. وكأنما اللوزي ينسج الكلمات على شريط كاميرا خفية، تفيض بالمرح، يقع قارئ المجموعة على بساط من الشعرية الساخرة من قبيل: تحطم أنف رجل بمؤخرة فتاة الباص. و"صور الزعيم"التي ملأت الشوارع على مدى عامين"ولا قطعة نقد في المحفظة". والحضرمية"التي تجيئك في منتصف العمر / تقصف سنينك مثل طائرة أباتشي / ثم تحوم على ما تبقى من حطامك". تشي قصائد المجموعة بحساسية بصرية تستمد مواضيعها مما هو معاش في الحياة اليومية. واللافت هو الحضور البارز للمرأة وهو حضور يغاير الصورة النمطية المعطاة. فالنساء هنا مدينيات ممن نصادفهن في المولات والشوارع مثل:"فتاة الجلاكسي التي هي حاصل ضرب العدد في نفسه والتي تجعل الجميع يلعنون زوجاتهم وهي تمشي في الشارع"و"الفتاة السمراء التي انتقت لها صديقة بدينة تمشي بجوارها كي تبدو رشيقة / الفتاة التي لا تحتاج قنديلاً في الظلام لأن أسنانها سوف تلمع". أو"الزوجة الأثرية التي لا تصلح أن تكون قنديلاً في غرفة أو حتى شمعة عندما تنطفئ الكهرباء/ تلك التي كانت في ما مضى مومياء محنطة بجوار توت عنخ آمون"وأصبحت"مدفع شتائم يقصفني كل صباح". يتحلى محمد اللوزي بحدس كاريكاتوري ولغة تبزغ مما يضمره اليومي والعابر، ومما لم يتشكل بعد في السرائر والتعيينات. قصائد المجموعة، الواقعة في 191 صفحة قطع متوسط، لا تنازع فحسب الكاميرا على اصطياد النادر، واختيار زوايا وطرائق تقديمه بل هي تعيد صوغه وتخلع عليه ندرة مضافة. وتتعدى ذلك إلى خلق واقع آخر واللعب على المفارقات في حدودها القصوى كالتحوير وموضعة الغرائبي والمتخيل على الطريف والفكاهي. تماماً كما تفعل بعض برامج الحاسوب مع شخصيات الكرتون ومع الكائنات السينمائية العجيبة المخلقة كومبيوترياً. وبعض القصائد يتبدى كشفرة تشف عن رؤيا وتصل الأضداد ببعضها. "أصدقاؤك الموتى أولئك الذين سرت في جنازاتهم واحداً واحداً / يخافون الآن على زوجاتهم منك / أصدقاؤك الموتى أولئك الذين تصلهم شتائمك مع كل ميت جديد / يغفرون لك كل ما تقول / أصدقاؤك الموتى ماتوا وشبعوا موتاً / وأنت لم تشبع حياة". كما تحضر في قصائد المجموعة نبرة الهجاء السياسي، ولكن ليس على شاكلة السباب والمباشرة على ما نجد عند مظفر النواب واحمد مطر، بل هو هجاء يبدو مأخوذاً باللعب وتقمصاته. ولئن بدت قصائد اللوزي وكأنها تنازع الكاميرا والكاريكاتير وظيفتهما في اجتراح السخرية، بيد أن المفارقة الأعظم تتأتى في حال علمنا أن صاحب هذه الخفة والرشاقة يعمل في السلك العسكري برتبة ضابط. وهو أمر ربما نسف صورة المهنة وأعاد رسمها ضداً على ما رسخ في الوعي. خصوصاً قول الشاعر اليمني الراحل محمد محمود الزبيري:"العسكري بليد للأذى فطن كأن إبليس على الطغيان رباه". وإن كان المطاف قد انتهى بالزبيري في ستينات القرن الماضي إلى متعصب للقبيلة والمذهب الديني ومؤسس لتنظيم حزب الله اليمني، مع رفيقه رجل الدين الذي ما زال على قيد الحياة الشيخ عبدالمجيد الزنداني. فالراجح أن لا أقنوم للشعر أو مثالات مجتمعية تضايفه على ما هيته.