تصلح بعض الجمل أن تكون تراثاً تقرؤه الأجيال يوماً بعد يوم من خلال وقع القول والفعل، وتشعر في بعض الأحيان بالحاجة إلى حفظ مثل هذه الجمل مع الحوار الذي ضمها، والأحاديث التي شملها عن ظهر قلب، وتمررها على الملأ حتى تعيش لذة الانتماء، وفضيلة"الصدق"، وجودة العبارة، وعقلانية المفردة، والحس الأبوي المتدفق فيها، ومن مميزات الإنسان السعودي التي تضعه علامة فارقة، تلك العلاقة المتواصلة التي يتمتع بها مع قادته، والثقة الكبيرة التي يتفاءل بها وينطلق معها حين يتحدث أحدهم ويملأ المكان إقناعاً وصدقاً وعقلانية وحباً للجميع، وفي حديث خادم الحرمين الشريفين للصحافة الكويتية انتابني هذا الشعور، وتعايشت مع كل ما سبق وأدركت هذه الميزة، فضلاً عن لغته الصريحة الواضحة، وكلماته النابعة من معايشة حقيقية للواقع إثر دراسة مستفيضة نحو استعادة العافية لمن تداعى بفقدها، ومعالجة الوضع الراهن لإثبات أن الاطمئنان هو الموقف الحقيقي، على رغم كل موجات الذعر والخوف التي تُخْتًلق وتَضْرِب على أوتار تربك كثيراً من التركيبة الاجتماعية. أوضح"بصدق"في حديثه أن ما يمر بالعالم من مشاكل وأزمات هي محط عنايته واهتمامه، وتأخذ حيزاً كبيراً من تفكيره ليعيش الكل في أجواء مطمئنة واستقرار مثالي، ولم تكن مبادراته المتواصلة دينياً وسياسياً واقتصادياً إلا برهاناً كافياً على أن هذا القائد بحق"محبوب الكل"و"ملك الإنسانية"، والمدرك بعناية وحرص شديدين أن العالم تنتابه تقلبات مقلقة على أكثر من جانب، بفعل التشنج في الآراء ومحاربة الآخر، وغياب الطرح العقلاني الواعي الذي تجهله حساسية تصادم العقول والشعوب على مختلف الأصعدة. أسئلة الصحافة الكويتية كانت بالغة الذكاء وتضرب على مفاصل مسائل جوهرية مهمة تمس الشأنين الخارجي والداخلي في آن واحد، ويكفي أنها مرت على العالم سريعاً كمؤتمر حوار الأديان، لقاء الزعماء العشرين الخاص، طول الأزمة الاقتصادية ومدى التأثير، تراجع أسعار النفط وتوحد مصالح دول الخليج، وعلى الجانب الآخر مفاصل محلية كالخطة الخمسية الانمائية، وذعر المجتمع المحلي من أزمة أسواق العالم، وحال اقتصادنا المحلي، وفي كل طرح سابق يحتاج المجيب إلى اطلاع واسع شامل وإجابات منتقاة بعناية، وهكذا كانت إجابات القائد واضحة شافية وعقلانية منفردة بعيدة عن أي انفعال، وقريبة جداً من قراءة كل شأن على حدة بمنتهى الصراحة و"الصدق"والمباشرة، لتعلن أن السعودية - حكومة وشعباً - ترسم خطوط الإصلاح وطريق المستقبل يداً بيد مع الجميع، طالما أن شعاراتها الدائمة والتي تبذل من أجلها كل شيء هي السلام والاستقرار والأمن والأمان للشعوب والدول. حين سُئِل"محبوب الكل"والأب الإنسان عن المملكة واقتصادها: هل هو بخير؟ أجاب:"إنه بألف خير والحمد لله، انقلها عني واسمعها للقاصي والداني: ليس لدينا إلا الخير، بل الخير كله بفضل الله وكرمه، قليل من الذعر سينهيه قليل من الوقت"!... ألا تكفي مثل هذه الإجابة لأن نطمئن ونستعيد كل طموحاتنا ورغباتنا بعيداً عن الضجيج الإعلامي والذعر العشوائي، والتفاعل مع كل القضايا التي تمسنا بشكل خاطئ، لنعيد قراءة هذه الإجابة أكثر من مرة ولتحفظوها مثلي، فهي كافية لطرد ما يعتري الإنسان من شكوك وظنون، وتدعم كل من لا تزال بوابة أحلامه مهيأة لكل مشروع. تستحق كل إجابة سؤال في ثنايا حديثه للصحافة الكويتية أن تستأثر بمقالة منفردة، لقراءة نص الإجابة الاستثنائي والاعتناء بمفرداته، والتمعن في اللغة"الصادقة"الراقية، وكل إجابة يجب أن تكون شعاراً لمراحلنا القادمة وخطواتنا المتواصلة للأمام، أعيدوا قراءة الحديث من جديد حتى تنالوا قسطاً وافراً من الشفافية والطمأنينة، وفوق كل هذا كمية وافرة من"الصدق"، ولكم أن تحسبوا مفردة الصدق من أعلى المقال لتعرفوا أنها الكلمة الأكثر تعلقاً بذاكرتي وقلمي حين أستمع أو أقرأ أو أتابع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وحديثه هنا أنموذج ومثال. [email protected]