في السابق كنا نتندر على هوس الأشقاء في بعض الدول العربية بنظرية"المؤامرة"، وكيف أنهم ينسبون تقصيرهم وقلة حيلتهم إلى تأمر قوى الشر عليهم وتكالب الاعداء، بهدف النيل من إنجازاتهم، ومع ازدياد الوعي وانتشار وسائط المعلومات وانكشاف الكثير من الحقائق، بدأ هؤلاء في مراجعة أنفسهم وبات الحديث عن المؤامرة يحتاج إلى أدلة دامغة حتى لا ينعت صاحبه بالعبثية. وعقب مباراة كوريا الجنوبية في تصفيات كأس العالم 2010 وما صاحبها من أخطاء تحكيمية، أخذنا نتحدث بالأسلوب نفسه الذي كنا ننكره على الأشقاء، وباتت"المؤامرة"الشغل الشاغل للشارع الرياضي وللصحافة، وأصبح رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم محمد بن همام المطلوب الأول ونائبه يوسف السركال ثانياً، ونال الحكم السنغافوري من عبارات التقريع والانتقاص ما لم ينله فاسق. وفي خضم هذا الانفعال لم نجد من يتحدث بعقلانية عن خسارة المنتخب ومستوى لاعبيه المتهالك وخطط مدربهم، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل اننا علقنا العمليات على جبهة المونديال وفتحنا جبهة جديدة ضد الاتحاد الآسيوي وقوى الشر والمتأمرين، وأصبحنا مهمومين بتصريحات ابن همام والسركال وانتقادات بيتر فيلبان لهما، والاحتجاج الذي رفعه الكوريون إلى الفيفا، والاحتجاج الذي رفعه الاتحاد السعودي ضد الاتحاد الآسيوي، وما إلى ذلك من الأمور الهامشية التي أعتقد أنها صرفت انتباهنا عن الاهتمام بالمنتخب ولاعبيه ومناقشة الأسباب"الحقيقية"، التي قادته إلى الخسارة على أرضه وبين أنصاره بطريقة محزنة! وبالأمس تحدث يوسف السركال إلى الزميل بتال القوس في برنامج"في المرمى"محاولاً إيضاح الحقيقة وإيقاف الحملة ضده، واستطاع السركال أن يتحدث بمنطقية وأن يقنع في بعض ما قاله كثيراً من العقلاء الذين يتفقون معه أن أخطاء التحكيم صبت يوماً في مصلحة المنتخب السعودي، كما صبت ضده في مباراتي إيرانوكوريا الجنوبية، ويتفقون معه على أن مستوى"الأخضر"تراجع في السنوات الأخيرة بصورة لافتة، وأن المنتخب السعودي لم يكن في أفضل حالاته أمام المنتخبين... ومهما بلغ الاحتقان والغضب من مستوى الحكم السنغافوري ومن اختاره لقيادة اللقاء المهم، إلا أننا يجب أن نعترف أن ما قاله السركال صحيح في أغلبه، حتى مع تحفظنا على الطريقة التي يعمل بها الاتحاد الآسيوي، ولا أعتقد أن المكابرة ستقودنا هذه المرة إلى تكذيب الحقيقة لمجرد أنها جأت على لسان السركال! ما أتمناه أن نخلع ثوب المكابرة الرديء الذي ارتديناه عقب مباراة كوريا الجنوبية، وأن نرجع إلى الواقعية مجدداً من خلال تقبل الحقيقة مهما بلغت مرارتها، وأن لا يضيرنا أن تأتي الحقيقة من السركال أو ابن همام أو من متابع عادي، فالمهم أن نعمل على إصلاح الخلل وإعادة تأهيل الأخضر للدخول بقوة إلى المباريات الخمس المتبقية في تصفيات كأس العالم. ويجب أن تقودنا العقلانية إلى الاعتراف بأن الحكم السنغافوري لم يكن وحده السبب في تعثر الأخضر، وأن كتيبة ناصر الجوهر بوضعها الحالي ليست مؤهلة لبلوغ نهائيات المونديال، لأن هناك خللاً يجب علاجه بعيداً عن المكابرة والانشغال عن حال المنتخب بمعارك مع الاتحاد الآسيوي لا فائدة منها. [email protected]