العفة ليست مجرد افتقاد القدرة على ارتكاب الخطيئة، بل العفة بصورتها الحقيقية هي افتقاد الرغبة في ارتكاب الخطيئة. والفرق بين افتقاد القدرة وافتقاد الرغبة شاسع وكبير. انطباعي عن المنهج التربوي والوعظي السائد هو أنه يركز وبشكل كبير على إضعاف القدرة دون التعرض للرغبة، أو حتى محاولة الاقتراب منها. فهو في الغالب تكرار لرسائل نمطية حفظها الجميع، هدفها الأساسي إضعاف فرص حدوث الخطايا والمعاصي، وتحديداً العلاقات الجنسية المحرمة. ولأن الجميع تقريباً يعرف هذه الرسائل مسبقاً، فإن نجاعتها تعتمد على حجم الجرعة وكثافة التكرار، فالأثر المتوقع هو لتكرار الرسالة وليس لمحتواها. أيضاً أشعر أن هناك مبالغة في التركيز على الخطايا ومرتكبيها، والأخطار والعواقب التي تنتظرهم دون التطرق، ولو بشكل جزئي، إلى مفهوم العفة، ولماذا هي مهمة في حياتنا. أي أن هذه الرسائل المكررة ذات طبيعة سلبية تركز على الأخطاء والمخطئين، وهي بذلك تكرس السلبية بطريقة غير مقصودة، الغالبية يتحدثون عن المتاهات والحفر، وقلة يهتمون بالطريق الصحيح. وإضافة لطابعها السلبي فهي تحمل مضموناً سلبياً يولد التناقض والصراع داخل الفرد، ويؤدي إلى نتائج عكسية، وهو أنها توحي بأن العفة نقيض للسعادة وللمتعة، وبأنه على الانسان إذا اختار مسلك العفة أن يتنازل عن كل رغباته في السعادة وبالمتعة، وأن يتحول إلى مجاهد يتكبد المشاق من أجل الحفاظ على عفته. وهذا المنطق غير صحيح على الإطلاق، لأن العفة هي العنوان الصحيح للسعادة الحقيقية والدائمة. والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة جداً. وهنا لن أتحدث عن الأضرار النفسية والاجتماعية والامراض التي تنشرها العلاقات المحرمة التي فتكت بمجتمعات بأكملها. ولكن سأشير إلى دراسة علمية نشرت في مجلة علمية. 2004 Smithsonian Institution- أكدت أن المتعة والسعادة الحقيقية لا تحدثان إلا بالعلاقات التي تتميز بالحميمية والسكن، التي تدوم لسنوات طويلة، بينما العلاقات العابرة تفسد وتضعف فرص الحصول على المتعة الحقيقية. الدراسة قسمت العلاقات الجنسية الى ثلاثة أنواع هي الشهوة والانجذاب، وأخيراً الحميمية والسكن، وأثبتت الدراسة أنه في النوع الثالث من العلاقة يفرز الدماغ كميات أكبر من مواد الاوكسيتوسن والفاسوبرسين، وهي مواد كيميائية تمنح شعور غامراً بالسعادة. والطريقة البديلة لإفراز هذه المواد هي عن طريق أنواع قوية من المخدرات. وهذا ما يكشف سر العلاقة والارتباط بين الزنا والمخدرات. والخلاصة المعروفة سلفاً، وذكرت بها هذه الدراسة، هي أن الزنا والعلاقات العابرة هي الحرمان الحقيقي من السعادة والمتعة وليس العكس. العفة إذاً ليست صراعاً طويلاً تلونه المعاناة ومشاعر الحرمان، بل هي نقيض ذلك تماماً، هي الاندفاع بكل قوة نحو السعادة والمتعة بأكمل صورها. يقول شيخ الاسلام ابن تيمية، يرحمه الله، إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. نشر العفة والفضيلة في المجتمع لا يبدأ من الشوارع والساحات العامة، ولا يعتمد على طبيعة العلاقات بين الأفراد، بل يبدأ وينتهي داخل الفرد نفسه. وما لم يحسن الفرد اختياراته فكل شيء آخر لن يكون له معنى، ونتائجه ستكون متواضعة. فالعفة مهارة حياة يجب أن يتعلمها الفرد، وليست مسؤولية اجتماعية يوزع وزرها على الجميع. هي خيار يسلكه الفرد بحثاً عن سعادته ومصلحته المباشرة، وليست تضحية يقدمها خدمة لمجتمعه. فالعفة في نهاية المطاف مناعة فردية وليست منعاً اجتماعياً. mafi_bagi@yahooclm