توصّلت بحوث أجريت في جامعة «ليفربول» البريطانية، الى القول بأن فترات التقلّب السريع في حرارة الطقس تزامنت مع بروز أولى الأنواع الشبيهة بالجنس البشري، إضافة إلى ظهور الأدوات الحجرية وانتشارها. وأعاد الدكتور مات غروف من «مدرسة علوم الآثار وحضارات المتوسط والمصريات القديمة»، صياغة سيناريو عن ردود الأفعال المحتملة لأجداد البشر حيال تقلّبات المناخ في الخمسة ملايين سنة الماضية. واستخدم في هذا الأمر تقنيات المحاكاة الافتراضية للكومبيوتر، إضافة إلى نماذج رقمية عن الجينات. وبهذه المقاربة المتشابكة، درس غروف التطوّر البشري عبر عصور مديدة. ووجد أن حوادث أساسية وفاصلة، تزامنت مع فترات من التذبذبات الكبيرة في حرارة المناخ. وأشار غروف إلى أن الدراسة أكدت أن وجهاً مهماً من أوجه التشعُّب في تكيّف البشر مع متغيّرات الطبيعة، ووصف هذا النمط بأنه يتميّز بتكاثر أعداد الأنواع المتعايشة مع بعضها بعضاً بسرعة كبيرة، قبل أن تنهار التوازنات لترتد الأمور الى مستوياتها في مراحل سابقة. ولاحظ أن ظهور هذا النمط تصادف دوماً مع حدوث فترة مطوَّلة من التقلبات المناخية. فمع بداية التذبذبات المناخية الواسعة قبل قرابة 2.7 مليون سنة، تكاثرت وفيات أنواع حيّة، مع تعرّضها للاختفاء قبل 1.5 مليون سنة. «الانتقاء وفق المتغيرات» ولفت غروف إلى أن الأدوات الحجرية الأولى ظهرت منذ نحو 2.6 مليون سنة، ما ساعد بعض هذه الأنواع على مواجهة الظروف المناخية السريعة التبدّل. وأضاف: «قبل 1.5 مليون سنة تقريباً، اقتصرت الأنواع الشبيهة بالبشر على نوع وحيد هو «الإنسان المنتصب» Homo Erectus، الذي بقي على قيد الحياة بفضل مرونته سلوكياً، إذ كان النوع الأكثر انتشاراً من الناحية الجغرافية خلال هذه الفترة. وتمكَّن من الصمود لأكثر من مليون ونصف مليون سنة. وفي الوقت الذي تخصَّصت بعض الأنواع في العيش ضمن بيئات مُحدّدة، الأمر الذي جعل الزوال مصيرها لاحقاً، يبدو أن «الإنسان المنتصب» كان متعدد المواهب، وقادراً على التأقلم مع ظروف طارئة متنوّعة في المناخ والبيئة». وتُعتبر دراسة غروف الأولى التي تتبع بشكل واضح نموذج «الانتقاء وفق المتغيّرات»، وهو نموذج عن مسار التطوّر اقترحه البروفسور ريك بوتس في أواخر التسعينات من القرن العشرين. وتشير نظرية «الانتقاء وفق المتغيرات» إلى أن تطوّر الأنواع الحيّة يتأقلم مع تقلبات المناخ السريعة، كما يستخدم مجموعة المواطن البيئية التي يصادفها، بدلاً من التمترس في موطن بعينه. وأشارت دراسة غروف إلى أن صمود «الإنسان المنتصب» في مواجهة تقلّبات المناخ، ربما نجم عن هذا الضرب من التأقلم. ويترك الربط بين تقلبات المناخ وتطوّر البشر، انعكاسات على الجدل حاضراً حول التغيّر في المناخ، إذ رأى غروف أن ما تشهده مناطق كثيرة، يُناقش أحياناً في إطار «الاحتباس الحراري»، لكنه ربما كان واقعياً مجموعة من درجات الحرارة والظروف المتراكمة سنوياً، ما يعني أن ثلث سكان الأرض يواجهون أوضاعاً تتزايد صعوبتها يومياً. وخلص غروف للقول بأن النمط الحاضر من التغيّر المناخي الذي يتسبّب به الإنسان، يختلف عن تقلّبات المناخ التي شهدتها الكرة الأرضية في أزمان بعيدة، كما تصعب مواجهته في المناطق التي لا يمتلك الناس فيها، وسائل تكنولوجية متقدّمة للتصدي له. نُشرت الدراسة في مجلتي «التطور البشري» (جورنال أوف هيومن إيفوليوشن) و «علوم الآثار» (جورنال أوف أركيولوجيكول ساينس).