كلما أنجز اكتشاف جديد عن الأنواع البيولوجية القديمة، وُضِعت نظرية العالِم الإنكليزي الشهير تشارلز داروين (1809- 1882) على المحك. ربما يبدو الأمر بديهياً بالنسبة الى البعض، لولا أن النقاش حول داروين، غالباً ما ينفلت خارج حدود البيولوجيا، ليلامس الاجتماع والسياسة والفلسفة. فقد تحدّثت دراسة ظهرت في مجلة «نايتشر» العلمية أخيراً عن أسلوب الحياة لدى أحد الأنواع الشبيهة بالبشر، وهو ال «استرالوبثيكس أفارينسس»، مُركّزة على النوع المتصل بالقردة العليا «سلام» التي يفترض أنها عاشت في إثيوبيا قبل 3,4 ملايين سنة. وتناولت الدراسة قدرة هذا النوع على إجراء عمليات متطورة في الحصول على الطعام، خصوصاً استخدام أدوات حجرية متقدّمة (سكين، مطرقة...) للحصول على لحم الطرائد، وربما ذبحها أيضاً. ويميل كثير من العلماء الى اعتبار استعمال الأدوات المتطورة بمثابة العلامة الفارقة في تاريخ ظهور الجنس البشري. والمعلوم أن الإنسان لا يتفرد باستعمال الأدوات، لكنه ينفرد في اصطناع تلك الأدوات وإنتاجها. ولم يتأخر الإختصاصي زيريسيناي اليسميجد، من جامعة كاليفورنيا للعلوم، عن وصف هذا الاكتشاف بأنه يغيّر ما نعرفه عن تاريخ الأنواع السابقة وسلوكها، معتبراً أن ذلك ربما أثّر على رؤية البشر لتاريخهم أيضاً. ويذكر هذا الاكتشاف بمنحى آخر في النقاش حول نظرية التطور. إذ يعتقد علماء الإحاثة («باليونتولوجي» Paleontology)، الذين يتخصصون في دراسة أشكال الحياة في العصور السابقة، أن أنواع شبيهة بالبشر شرعت في الظهور في حقب سحيقة القِدَم. وفي العام 2001، مثلاً، عُثر على هيكل عظمي يرجع لنوع سُميّ «ساهل أنثروبوس تشادينيسس» الذي يعتقد أنه عاش قبل 7 ملايين سنة. وفي عام 1974، وُجدت عظام للنوع المُسمى «أسترالوبيثيكس أفارينسس»، الذي يُظن بأنه قطن أفريقيا قبل 4 ملايين سنة، وتميّز بقدرته على المشي المنتصب على قدمين. وفي عام 1985، ظهر هيكل عظمي في كينيا يرجع للنوع المُسمى «بارانثروبوس إثيوبيكس» الذي يُظن أنه صنع أدوات حجرية أولية قبل 2.6 مليون سنة. واكتشف النوع المُسمى «هومو هابيلوس» (وترجمتها «الإنسان القادر») في تنزانيا في عام 1962، وهو صنع أدوات حجرية متطورة نسبياً. وفي ألمانيا 1907، اكتُشف ما يعتقد أنه مقبرة بدائية استعملها النوع المُسمى «هومو هايدلبرجينيسس»، الذي عاش قبل 600 ألف سنة. وفي عام 1829، عُثر في بلجيكا على بقايا النوع المُسمى «هومو نانديرثالث» الذي ظهر قبل ثلاثين ألف سنة. ولحد الآن، لم يعثر العلماء على «الحلقة المفقودة» التي يرى أنصار داروين أنها تحسم النقاش لمصلحتهم. وما زالت العلاقة بين تلك الأنواع ملتبسة وغير واضحة. ولا يعتبر وجودها بحد ذاته، تأييداً ولا نفياً لأي من نظريات التطوّر. كما أنه ما زال من الصعب شرح آلية التداخل بين العناصر الوراثية وأثر الطبيعة في الكائنات الحيّة. والأرجح أن النقاش في التطورية قد يستمر لسنوات مقبلة!