ليس مستغرباً أن يلجأ أب تجرد من كل المشاعر الإنسانية والأبوية، التي تولد بالفطرة وتثبت بالتعايش، إلى الإبلاغ عن ولده لتقبض عليه الشرطة سريعاً، بتهمة عقوق الوالدين، حتى يتمكن من مساومة طليقته لتتنازل عن دعوى قضائية رفعتها ضده بعد ان زوج ابنته بشيخ في الثمانين من عمره! نُشر الخبر المحزن في جريدة"الحياة"، بتاريخ 12 - 9 - 2008 ولم أستغرب، فدعاوى العقوق المقبولة جداً في مجتمعنا، وتتم من دون التأكد من صحة الادعاءات، وهي الحل الأخير للمساومة لإجبار مطلقة على التنازل عن الدعاوى التي قد ترفعها حماية لبناتها، أو لوقف الظلم عنهن وغيره، كفشل بعض المراكز الصحية والنفسية في الإبقاء على مريض نفسي أو مدمن مخدرات، فيكون الحل الأمثل هو رفع دعوى عقوق فهي الأسرع! مثل هذه الدعاوى التي أحياناً تكون كمثل ما جاء في الخبر تكون كيدية وتهدف الى المساومة والضغط، فأي أم لا تقبل على ولدها ان تقبض عليه الشرطة ليُلقى في السجن كالمجرمين، وربما تفكر الأنثى ألف مرة ومرة قبل ان ترفع دعوى ترد بها مظلمة عن إحدى بناتها. في الشهور الماضية كتبت عن مدرس في مدرسة ثانوية حاول مساعدة أخيه الأصغر الذي يحبسه والده كالحيوانات في سطوح منزله، فكانت النتيجة ان هجم الأب عليه في مدرسته وضربه بعصا غليظة امام زملائه المدرسين، وبعد ان شاهد دماءه تنزف ذهب الى الشرطة وأبلغهم فقبضت عليه وظل في الحجز حتى تعهد بعدم مساعدة أخيه وبعدم التدخل في تربيته، ورفض المسؤول المكلف السماع منه، ولا على محاسبة الأب الذي أهان كرامته وأسال دمه امام زملائه! هذه الأم المفجوعة في ابنتها الطفلة التي زوجها والدها من دون استئذانها، ومن دون معرفة والدتها حاولت الانتحار بشرب"الكلوركس"بعد معرفتها بالخبر، وبفضل الله وربما رحمة بأبنائها أنقذها الأطباء، ولكن ماذا بعد؟ لماذا تظل دعاوى العقوق كالسيف المسلط على رقاب الأبناء والزوجات ليستخدمه بعض الرجال للمساومة والضغط، والحقيقة ان ما أعرفه وأراه عن التفكك الأسري والقسوة المبالغ فيها"بدعوى التربية والتأديب"تبرهن ان لدينا خللاً ثقافياً نتوارثه جيلاً بعد جيل،"خللاً"افرز نتائج نراها في دور الرعاية والأحداث والعجزة وكبار السن. هذه نتيجة القسوة ودعاوى العقوق غير المستندة على منطق، والمفترض ألا يقبض على ابن او ابنه بهذه التهم بعد اليوم إلا بعد ان نضع معايير خاصة للعقوق التي تداخلت وأصبحت تدخلاً سافراً في الحياة الشخصية، فالأب أو الأم يأمر الابن بطلاق زوجته، وإذا رفض اتهمه بالعقوق ومورس بحقه أبشع انواع الضغط الاجتماعي، بالنبذ والإهمال، وأخيراً برفع الدعاوى الكيدية للمساومة وغير ذلك. وأخيراً طالعتنا الصحف عن السجينة، التي رزقها الله بزوج عرف قصتها وتزوجها بعدما دخلت السجن بتهمة حرق إحدى غرف المنزل، وبدعوى عقوق وعوقبت عليها بالسجن، لم ينظر أحد لماذا أحرقت الفتاة الغرفة؟ وما السبب الذي دفعها لذلك؟ وأخيراً يشترط على زوجها ألا يراها مدى حياته! كل ما أرجوه وأحلم به ألا تكون هذه الأخبار والحوادث خبراً عادياً يمر من دون تحليل ومن دون معرفة مكامن الخلل، بعض البيوت تضغط من فيها حد الانفجار، وتسهم دعاوى العقوق في زيادتها! [email protected]