اكتشف فريق عمل علمي مكون من علماء ومتخصصين سعوديين وأجانب أخيراً، مدينة تاريخية"مطمورة"تحت التربة 100 كيلو متر جنوبي شرق مدينة حائل. وتركزت الدراسات العلمية التي قام بها الفريق حول المسح الشامل لما يعتقد بأنها مدينة"فيد"، إحدى كبرى المدن الإسلامية المزدهرة قديماً. وعلى ضوء ذلك، توجهت معاول العلماء والمتخصصين للتنقيب والصيانة والترميم، ليتم التوصل إلى الكشف عن"قصر خراش"، القابع وسط المدينة الأثرية، والمشرف على ضفة الوادي الشمالية. ويعتبر"حصن فيد"الأثري ذو الحجارة السوداء من أهم الآثار الباقية، إذ ما زالت بعض تفاصيله المعمارية ظاهرة للعيان. إذ يتربع الحصن على مساحة تقدر بنحو 10400 مترمربع، ويتكون من سورين وأبراج دائرية ونصف دائرية وتفاصيل معمارية. ويبرز داخل الحصن بقايا"قلعة"، تقع في الطرف الشمالي الشرقي منه، يرجح أن مدخلها يقع في الجهة الجنوبية بأبعاد تقارب 40?30 متراً، ويصل ارتفاعها إلى نحو سبعة أمتار، غطيت أجزاء منها بأكوام من الحجارة المتساقطة. وإلى الجنوب الغربي من القلعة تظهر آثار أساسات مبانٍ، معالمها غير واضحة تحيط بالقلعة، إضافة إلى أساسات بنائية منتشرة في أرجاء الحصن كافة، كما يحوي الحصن تفاصيل بنائية مكتشفة، تتمثل بمجموعة من الحجرات الملاصقة للسور الجنوبي، ومعالم أبراج نصف دائرية، إلى جانب آثار بنائية تقع خارج الحصن في الجهة الجنوبية والغربية، ومعالم بئرين، يقع أحدهما شرق الحصن، والآخر شمال الحصن، يرجح أنهما كانا يغذيان الحصن بما يحتاج إليه من مياه. وتظهر في المنطقة الشمالية شمال قصر خراش مبان أشبه بالقاعات والأفنية، وبعض الآبار والقنوات. أما المنطقة الغربية فتعد أكثر الأماكن كثافة عمرانية، وهو ما يؤهلها لتوصف بقلب"فيد"، إذ تحتوي على مبان وآبار وأقنية وأحواض للمياه. كما يظهر بين هذا كله بركتان إحداهما شمالية، والأخرى جنوبية. ومن الآثار المنتشرة في نطاق بلدة فيد الحالية، تمثل أربع آبار مطوية مشابهة لما هو موجود في المنطقة الأثرية، باستثناء أحد الآبار، التي يصل قطرها إلى 10 أمتار، وهي قائمة وسط القرية الحالية، إضافة إلى أربع برك تابعة لمياه"زبيدة"التي تتوزع على أنحاء قريبة من"فيد". من جهته، أكد رئيس الفريق العلمي، مدير مشروع التنقيب عن مدينة فيد التاريخية الدكتور فهد بن صالح الحواس ل?"الحياة"على بدء العمل على تهيئة المواقع المكتشفة، لاستقبال الزوار والوفود الرسمية، ووضع لوحات تعريفية وإرشادية على الطرق السريعة، تساعد الزائر والسائح، وقال:"أعقب عمليات المسح والتنقيب عمليات متممة، تستهدف الترميم والصيانة وتهيئة المواقع المكتشفة جزئياً، لتكون مهيأة للزيارات الرسمية المحدودة، إلى حين الانتهاء من استكمال استكشاف بقية المدينة التاريخية المطمورة تحت الأرض". وعن الطرق والمسارات المفترض من الزوار سلوكها، أوضح الحواس أن أعضاء الفريق رسموا مسارات محدودة تمر في حصن فيد الأثري وبركة الحصن، كما تم رصف المسارات بطبقة من الخرسانة لتسهيل حركة الزوار وحماية المواقع من زحف الرمال. وأضاف أن فريق العمل العلمي"قام بترميم معظم المكتشفات، التي تعود إلى بداية العصر الإسلامي، أي قبل نحو 1300 عام، كالأواني الفخارية والخزفية والزجاجية والنحاسية، إضافة إلى العملات المعدنية، وفق أحدث الأساليب والتقنيات المتطورة، بإشراف فريق علمي مكون من نخبة من الخبراء والاختصاصيين السعوديين والأجانب". واستطرد:"سيتم عرض المقتنيات في متحف حائل الرسمي، ومعرض المكتشفات الأثرية في المدينة التاريخية". وأشار إلى أن مشروع استكشاف مدينة فيد التاريخية، يوضح العمق التاريخي والحضاري لمنطقة حائل في العصور الإسلامية، من خلال المكتشفات الأثرية في مدينة فيد التاريخية، وهو ما جعلها نقطة جذب للزائرين من داخل المنطقة وخارجها، إلى جانب تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال الرحلات السياحية المنظمة للموقع، وإيجاد فرص عمل لأبناء المنطقة في مجال الآثار والتراث. وشدد الحواس على أهمية الوعي بقيمة هذه المواقع التراثية الثقافية، وتنميتها وتوظيفها بهدف حمايتها، والمحافظة عليها وتهيئتها لإقامة نشاطات ثقافية متعددة. وقال:?"قام فريق العمل بإعداد خرائط ومخططات للمواقع الأثرية، تضمنت مجموعة من الخرائط"الكنتورية"و"الشبكية"لمواقع المدينة السكنية ومنطقة التلال وحصن فيد الأثري قصر خراش وبرك زبيدة التي تقع جنوب شرقي الحصن، إضافة إلى رفع مساحي لأهم المعالم الأثرية، ورسم المعالم الأثرية المكتشفة كافة". وأضاف:"كما يجب توثيق مختلف المعالم الأثرية في المواقع"فوتوغرافياً"أثناء المسح التسجيلي، إلى جانب تصوير المعالم الأثرية القريبة من مدينة فيد، الشاملة لرسوم صخرية، ونقوش وكتابات قديمة، وأساسات المباني والدوائر الحجرية، كذلك تصوير تفاصيل المعالم الأثرية المكتشفة كافة، وتوثيقها وتسجيلها". وتحتوي المدينة الأثرية على أكثر من 100 وحدة معمارية، متمثلة بأساسات مبان بعضها يشكّل وحدات معمارية متكاملة، إضافة إلى منشآت مائية، تظهر أساسات مبانيها على السطح مع آثار آبار قديمة. وكان فريق العمل قام بترميم وصيانة المباني والظواهر المعمارية المكتشفة، لحمايتها من آثار السيول الجارفة، أو تعرضها للاعتداء بقصد أو من دون قصد.