يثير البعض استغراباً عجيباً، وتساؤلات عدة حول"ضرب المرأة"، وتثور قضية الضرب في ترتيبات العلاقة الأسرية والإنسانية بشكل حاد، وتأخذ موقعاً خاصاً، إذ إنه وردت الإشارة إليها في نص قرآني"ولأن تأويلاتها التاريخية انصرفت، وانصرفت أفهام الناس وممارساتهم فيها إلى معاني اللطم والصفع والصفق والجلد وما شابهه، وما يستتبع ذلك من مشاعر الألم والمهانة، بغض النظر عن قدر المهانة، ومدى هذا الألم أو الأذى البدني والنفسي، جاء إلصاق التطبيق الناقص بالنص المقدس. وانقسم الناس حيال هذا النص بين غال وجاف، ولا بد لفهم النص القرآني من إيراده كاملاً في سياقه، يقول تعالى"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً" فبعد أن قرر الله حق القوامة للرجل، شرع في تفصيل أحوال النساء، وبيان كيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن، وبدأ بالصنف الأول الصالحات المطيعات لأزواجهن، المداومات على ذلك من غير انقطاع، ولا يكون ذلك إلا إذا أطاعته امتثالاً لأمر الله، واختار سبحانه لفظ"قانتات"ولم يقل"طائعات"، لأن مدلول اللفظ الأول نفسي شامل، وظلاله رخية ندية، وهو الذي يليق بالسكن والستر والصيانة بين شطري النفس الواحدة، ويتناسب مع طبيعة المؤمنة الصالحة الملازمة لكل خير بحكم إيمانها وصلاحها، وهي أيضاً حافظة لنفسها وبيتها، ومال زوجها، وسره، ولا شك في أن المعنى يعم جميع ما ذكر، وهذا وجه من أوجه الإعجاز القرآني اللغوي، إذ يعطي اللفظ القليل المعاني الكثيرة، فترتسم بذلك أبعاد الصورة التي يفهمها الإنسان وهو يتلو كتاب ربه عز وجل. ومن اللطائف أن عبّر بلفظ"الغيب"، ولهذا مقاصده ودلالاته، فالمرأة الصالحة تحفظ أمر نفسها وزوجها في غيابه، وبالأولى في حضوره"لأنها لا تفعل ذلك خوف سلطته وعقوبته، إنما تفعله ابتغاء وجه الله وطلب مرضاته، وفي الآية ملمح إيماني آخر جدير بالتأمل والاعتبار، وهو قوله سبحانه"بما حفظ الله"، فالذي يحفظ هو الله، وما التوفيق إلا منه سبحانه، وهذا من باب إضافة المصدر إلى الفاعل، ويكون المعنى أن المرأة إنما تكون حافظة للغيب بسبب حفظها لله في حدوده وأوامره، ومن ذلك طاعة زوجها، وهذا القسم من النساء ليس للرجال عليهن شيء من سلطان التأديب، لا الوعظ ولا الهجر ولا الضرب"لقيامهن بحقوق أزواجهن ابتداءً. ثم بيّن الله للرجل القسم الثاني من النساء بقوله"واللاتي تخافون نشوزهن"، وهي المرأة التي ترفّعت عن طاعة زوجها، وبين الله علاج نشوزها مرتباً له بأمور ثلاثة: الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب، فلا يقدم أحدها على الآخر، بل يأتي بها مرتبة، وهذا الذي يدل عليه السياق والقرينة العقلية، إذ لو عكس استغنى بالأشد عن الأضعف. يقول العقاد:"ولا اعتراض لأحد من المتقدمين أو المتأخرين على عقوبة من هذه العقوبات جميعاً، في ما خلا العقوبة البدنية، وهو في ما يبدو لأيسر نظرة اعتراض متعجل في غير فهم، وعلى غير جدوى، وليس هذا الاعتراض بالجائز إلا على وجه واحد... وهو أن العالم لا تخلق فيه امرأة تستحق التأديب البدني، أو يصلحها هذا التأديب، وإنه لسخف يجوز أن يتحذلق به من شاء على نفسه... ولم يخل العالم الإنساني رجالاً ونساء ممن يعاقبون بما يعاقب به المذنبون، فما دام في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها العقوبة البدنية، ... وقد أجازت الشرائع عقوبة الأبدان للجنود، فإذا امتنع العقاب بغيرها لبعض النساء فلا غضاضة على النساء جميعاً في إباحتها، وما قال عاقل إن عقوبة الجناة تفضي إلى الأبرياء، وإلا لوجب إسقاط جميع العقوبات من جميع القوانين". وسيأتي المقال المقبل - إن شاء الله - لبيان تفاصيل هذا اللفظ في ظل الشرع، أدام الله على بيوت المسلمين السكن والمودة. * داعية وأكاديمية سعودية Nwal_al3eeed @ hotmail.com