إشارة إلى وجهات النظر المختلفة التي عرضتها صحيفة "الحياة" في عددها يوم الجمعة 24 ربيع الثاني 1428ه 11 -5- 2007، في صفحة"الواحة" بعنوان: العلماء يرفضون التهاون حيال الإساءة للصحابة رضي الله عنهم، لقد ندّد شيخ الأزهر بالمسيئين إلى الأدب مع الصحابة، حين عدّ النيل من الصحابة منكراً شديداً يخرج صاحبه عن آداب شريعة الإسلام وعن أحكامها، وعن مكارم الأخلاق وسلامة الاعتقاد! واعترض نجيب اليماني على اعتبار احترامهم ركنا سادساً للإسلام بقوله: "إن أركان الإسلام توقيفية ولا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان، وإذا كان طنطاوي جعل احترام الصحابة سادسها، فإن شخصاً آخر جعله الجهاد، وثالثاً جعله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم يقول اليماني: هل كان بوسعنا أن نزيد الصلوات في اليوم والليلة إلى أكثر من خمس؟ هذا كلام خطأ والصحابة ليسوا معصومين"! أما الشيخ متعب الطيار فلم يتردّد في الجزم بأن عدم توقير الصحابة فضلاً عن شتمهم أو النيل منهم من الموبقات التي تصل في بعض درجاتها إلى الكفر المخرج من الملة. وأتبع حديثه بآيات كريمة مثل قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه... وأشار إلى الأحاديث الشريفة عن الصحابة، وما أَلفَّه العلماء من كتب عنهم...! وأستاذ آخر لم يذكر اسمه قال: "إن احترام الصحابة جزء من الركن الأول من أركان الإسلام..."! أودّ أن أشير أولاً إلى أن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي لم يجعل أركان الإسلام ستة، كما ذكر ذلك اليماني. كانت كلمات شيخ الأزهر محدّدة مرتَّبة، لا تحمل أي معنى من معاني إضافة ركن جديد للإسلام. وجاءت كلمة شيخ الأزهر وكلمات الأساتذة الآخرين في مجال الدفاع عن الصحابة بأسلوب لا تطرّف فيه ولا انحراف، مما هو واجب كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر. كان حديثهم ردّاً على أولئك الذين يتطاولون على صحابة رسول الله ، الصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله، ثم جاء أقوام يطعنون في الصحابة طعناً لا يقبله الدين ولا الخلق ولا حقائق العلم، وهو طعن فيه مخالفة صريحة لنصوص الآيات والأحاديث الصحيحة. ولكنّ القضية التي أودّ أن أقف معها هنا هي قول الأخ الكريم نجيب اليماني بأن شيخ الأزهر أراد أن يضيف ركناً سادساً لأركان الإسلام الخمسة، وأن آخرين يريدون أن يجعلوا الركن السادس هو الجهاد، إلى آخر ما ذكره الأخ الكريم. وأعتقد أن سبب الالتباس هو فهم غير دقيق لحديث رسول الله الذي يرويه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنه: بُني الإسلام على خمس.... فقد شبه رسول الله الإسلام كلَّه بالبناء المتكامل الذي يقوم على أسس وأركان. فالأركان الخمسة هي الأساس الذي يقوم عليه الإسلام كله، وتقوم عليه التكاليف الربانية كلها بنصوصها في الكتاب والسنة. فالجهاد في سبيل الله تكليف رباني يقوم على هذه الأركان الخمسة، ولا يصدق ولا يصحُّ إذا لم يقم عليها. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة بن اليمان أنَّ النبيّ قال: "والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعونّه فلا يستجيب لكم". [رواه الترمذي وابن ماجه]. وكذلك طلب العلم: فعن أنس رضي الله عنه وآخرين عن الرسول قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". [أخرجه ابن عدى في الكامل والبيهقي والبغدادي والطبراني وآخرون]. وتتوالى التكاليف الربانيّة آياتٍ وأحاديثَ، على المؤمن التزامها والوفاء بها. ومن بين ذلك احترام الصحابة رضي الله عنهم، فهو أمر وتكليف من عند الله ورسوله، ويكفي ما ورد في كلمات شيخ الأزهر والأساتذة من نصوص تثبت أن هذا تكليف رباني واجب الطاعة والالتزام، ولكنها كلها ليست من الأركان الخمسة، إلا أنها تكاليف ربّانية تقوم على الأركان الخمسة. وكلُّ عمل لا يقوم على هذه الأركان الخمسة مرفوض وغير مقبول شرعاً. ويبدو أن كثيراً من المسلمين فهموا من حديث الرسول : "بُني الإسلام على خمس... "أن الإسلام كلَّه هو الأركان الخمسة فقط. فمن أدّاها ثم تخلّى عن بقية التكاليف، وترك ميادين الحياة يملؤها أعداءُ الله وجنود الشيطان، ظنوا أن هذا حسبهم. ونتيجة لهذا الفهم الخاطئ تراخى الملايين من المسلمين عن السعي على صراط مستقيم، وفاءً بالتكاليف الربانية". وربما استدل بعضهم بقصة الأعرابي الذي جاء إلى الرسول يسأله عن الإسلام، فعدد له الرسول الأركان الخمسة، فقال الأعرابي: والله لا أزيد عليها وانصرف! هذا رجل بعيد في البادية معه ماشيته، هذه حدود وسعه. فقال الرسول لما أدبر الرجل: "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا". وفي رواية أخرى: "أفلح الأعرابي إن صدق"! ولكن، هل كان يقبل الله ورسوله هذا الموقف من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟ هل كان يُقبل منهم أن يوفوا بالأركان الخمسة فقط، ثم يغيبوا في أمواج الحياة الدنيا؟ كلا! فلا بدّ من أن نفرّق بين الأركان الخمسة ومفهومها ودورها ومنزلتها في الإسلام، وبين التكاليف الربانيّة الثابتة بالآيات والأحاديث، والتي لا يصح القيام بها إلا إذا كانت قائمة على الأركان الخمسة، لتكون كلُّها هي الإسلامَ في تكامله وتناسقه. فالإسلام أركان وبناء يقوم عليها، لا يصح الفصل بينهما، ولا إلغاء شيء منها. فلا يُعتَبَرُ الوفاء بأي تكليف ربّاني أنه أصبح ركناً سادساً أو سابعاً... باحث إسلامي