{ في أول وأحدث دراسة أطروحة دكتوراه تبحث في ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة السعودية، من حيث الانتشار والأنواع والأسباب، توصلت الأستاذ المساعد في قسم التخطيط الاجتماعي في كلية الخدمة الاجتماعية في الرياض، الدكتورة ميسون الفايز، إلى أن"الزوج هو المعنف الأول للاتي يتعرضن للعنف، يليه الأب ثم الأخ على التوالي"، وأوضحت أن"الأمية والتعليم المنخفض هما السمتان التعليميتان الغالبتان لكل من أزواج وأولياء أمور المتعرضات للعنف، وهم من العاطلين عن العمل....". كما كشفت الفايز، من خلال دراستها، أن"المرأة السعودية تتعرض لجميع أشكال العنف الجسدي والنفسي والجنسي"، مشيرةً إلى أن 95.5 في المئة من مجتمع الدراسة، المكون من 219 حالة،"تعرضن لعنف نفسي". "الحياة"التقت الفايز لتسلط الضوء على جوانب عدة من دراستها، إضافة إلى التعمق في آرائها حول حظوظ المرأة السعودية في سوق العمل حالياً، وما تمثله بعض عادات وتقاليد المجتمع من عوائق أمام طموح المرأة العاملة، إذ قالت:"للأسف لا تزال هناك مفاهيم لبعض الأدوار داخل الأسرة بين الرجل والمرأة تدعمها بعض الموروثات الاجتماعية والتفسيرات الدينية الخاطئة". وأضافت:"هناك بعض القطاعات في المجتمع ترفض أي مجال عمل جديد يفتح أو يطرح للمناقشة أمام المرأة بغض النظر عن مناسبة هذا المجال من عدمه"... وفي ما يأتي نص الحوار. قمتِ بأول وأحدث دراسة تبحث في ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة السعودية من حيث الانتشار والأنواع والأسباب، ما مدى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع؟ - من المعلوم أن العنف الموجه للمرأة، على اختلاف مسبباته وأشكاله في المجتمع السعودي، من القضايا التي لا تزال ضمن حلقة الشأن العائلي، وهو ظاهرة مستترة لا يتم الإفصاح عنها لعوامل اجتماعية ونفسية وتربوية وقانونية، ونتيجة للخصوصية الثقافية للمجتمع. كما أن المرأة المتضررة لا تفصح عنه لعوامل مختلفة، لعل أهمها أطفالها والخوف من حرمانها من حضانتهم، واعتمادها الكلي اقتصادياً واجتماعياً على الرجل في شؤون حياتها، وحساسية الموضوع وردّ فعل المجتمع ولومه للمرأة، ولذلك لا تزال الأرقام الحقيقية الخاصة بالعنف الموجه للمرأة مجهولة. والأرقام المتوافرة لا تعبر عن مدى عمق الظاهرة أو انتشارها، فما يقع على المرأة من عنف على اختلاف أنواعه لا يبلغ عنه، ولا يسجل في سجلات الإدارات الحكومية، وحين يتطلب الأمر مراجعة المستشفى فالأمر غالباً ما يسجل على أنه حادثة عرضية، ويعتمد على تقدير الطبيب المختص، والعنف الجسدي الذي يصل إلى مرحلة تهدد بها حياة المرأة بالموت، هي ما يعتمد عليها في البحوث والدراسات، وهي لا تشكل سوى جزء من أجزاء عدة لنوعية العنف الذي تتعرض له المرأة. ما أنواع الإساءة التي تتعرض لها المرأة السعودية، ومعدلات حدوثها، بحسب الدراسة؟ - تتعرض المرأة السعودية لجميع أشكال العنف التي تناولتها الدراسة، العنف الجسدي والنفسي والجنسي، إلى جانب العنف المتزامن مع أنواع أخرى بنسب مختلفة، كما تتعدد نوعية وشدة العنف الموجه للمرأة تبعاً للموروث الاجتماعي والسياق الثقافي الذي يحدث في إطاره، فهناك عنف مباشر تتعرض له المرأة، كالعنف الجسدي والجنسي والنفسي، وهناك عنف غير مباشر يتمثل في السياق الثقافي والموروث الاجتماعي من عادات وأعراف وتقاليد كالتي تميز بين الجنسين ذكوراً وإناثاً أو تعمل على التقليل من شأن المرأة. واتضح من خلال النتائج أن مجتمع الدراسة المكون من 219 حالة منهن 210 تعرضن لعنف نفسي بنسبة 95.9 في المئة، وأن الغالبية العظمى منهن تعرضن للعنف الجسدي 197 حالة وبنسبة 90.0 في المئة، وأن 171 حالة من النساء تعرضن لعنف متزامن جسدي ونفسي بنسبة 78.1 في المئة. أما العنف الجنسي فقد مثل أقل النسب للمتعرضات له 15 حالة من النساء تعرضن لعنف جنسي بنسبة 6.8 في المئة، أما معدلات حدوثه فقد مثل العنف النفسي والعنف الجسدي، والعنف المتزامن الجسدي والنفسي أعلى النسب في تكرار معدل الحدوث يومياً، ومرات عدة في الأسبوع، ومرات عدة في الشهر. ما الذي توصلت إليه دراستك؟ - إن ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة تحدث في المجتمع السعودي، كما تحدث في غيره من المجتمعات، وأن الزوج هو المٌعنف الأول للمتعرضات، يليه الأب ثم الأخ على التوالي، وأن مدة زواج المتعرضة للعنف ليس لها علاقة بمدى تعرضها للعنف، فهي تتعرض للعنف في جميع مراحل حياتها، أما ما يتعلق بالمعنف فقد اتضح أن الأمية والتعليم المنخفض هما السمتان التعليميتان الغالبتان لكل من الأزواج وأولياء أمور المتعرضات، وهم من العاطلين عن العمل أو المتقاعدين أو العسكريين أو المتسببين، والمرأة في المجتمع السعودي تتعرض للعنف الجسدي والنفسي والجنسي، كما تتعرض للعنف المتزامن بنسب متفاوتة، وأسباب العنف الموجه للمرأة تتعدد وتختلف إلا أن أهمها أسباب تتعلق بالمٌعنف، ومنها الإدمان وضعف الوازع الديني، إلى جانب الأسباب التربوية والاجتماعية والثقافية التي تتعلق ببيئة ومحيط المٌعنف. كيف تقومين دور الأسرة والمراكز المتخصصة والقضاء من حيث توفير الحماية للمرأة السعودية؟ - قد تسهم هذه المؤسسات على اختلافها في توفير الحماية للمرأة في بعض الأحيان، ولكن في أحيان كثيرة يحدث العكس، وهذا يرجع - بحسب ما لمسته أثناء التطبيق الميداني للدراسة - إلى غياب العمل المنظم في ما يتعلق بالتعامل مع قضايا العنف الأسري من تلك المؤسسات والجهات المعنية، ومن الأهمية أن يتم توحيد لجان الحماية الأسرية لتوحيد العمل في مشكلات العنف الأسري عموماً والعنف الموجه للمرأة خصوصاً. بما أنكِ من المعنيين بجانب التخطيط الاجتماعي بصفتك الأكاديمية، كيف ترين حظوظ المرأة السعودية في سوق العمل في الوقت الراهن؟ - الفرص الوظيفية المتاحة للمرأة السعودية في الوقت الراهن، على رغم محدوديتها إلا أنها تنوعت في مجالات عدة وجديدة على المرأة والمجتمع، وهذا مدعاة إلى التفاؤل، خصوصاً أن هناك حاجة لإشراك المرأة في خطط وعمليات التنمية، وإدماجها في مشاريعها الرامية إلى الاستفادة من جميع الموارد البشرية والمادية. والمرأة في المجتمع السعودي تكوّن نصف الموارد البشرية التي يعتمد عليها في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تسهم في زيادة الدخل الوطني، وزيادة تراكم رأس المال الضروري لإنجاح برامج التنمية، إلى جانب التقليل من نسبة من يعيشون كمستهلكين فقط. في رأيك، هل مازالت قيود المجتمع المنبثقة من العادات والتقاليد، تكبح طموح المرأة السعودية الباحثة عن مكانة عملية قيادية في الوزارات أو المؤسسات الكبرى؟ - هناك طموح متنامٍ للمرأة السعودية في تولي مثل هذه المناصب، ولكن العادات والتقاليد لا تزال تمثل عائقاً أمامها، خصوصاً أن المجتمع لم يعتد أن يرى المرأة السعودية في مثل هذه المناصب، وأعتقد أن الدرجات العلمية والخبرات العملية والقدرات الفكرية للمرأة السعودية أصبحت تمثل عوامل إيجابية تلغي التفكير السائد بعدم قدرتها على تحمل المسؤولية القيادية، لذلك لابد من تهيئة المجتمع أولاً لتقبل الأدوار المتجددة للمرأة، خصوصاً الأدوار الريادية، كالاعتراف بدور المرأة في الحياة الأسرية والحياة العامة، إلى جانب السعي نحو توفير اعتراف مجتمعي بأدوار المرأة المتعددة في المجتمع، وتغيير الصورة النمطية للمرأة في المناهج الدراسية، إضافة إلى الاهتمام بالبرامج التي تركز على تقدير المرأة العاملة خارج المنزل. بعيداً من عادات وتقاليد المجتمع، هل هناك معوقات في المرأة نفسها تحول دون تبوئها مناصب عليا؟ - نعم بكل تأكيد، فإسهام المرأة السعودية في التنمية يتأثر بعامل رئيس، إضافة إلى ما سبق، وهو حالها التعليمية، فكلما ارتفعت درجة تعليمها، أدى ذلك إلى جعلها عنصراً فاعلاً في المجتمع، إلا أن أمية المرأة من أهم العوامل التي تحرمها من الاعتراف بما لها من دور مهم في التنمية المجتمعية لوطنها. على من تقع المسؤولية الأولى في تقليل فرص عمل المرأة؟ وما نسبة التقصير التي تتحملها المرأة ذاتها؟ - هناك بعض القطاعات في المجتمع ترفض أي مجال عمل جديد يفتح أو يطرح للمناقشة أمام المرأة، بغض النظر عن مناسبة هذا المجال من عدمه للمرأة، أو مدى إسهامه في الحد من بطالتهن، أو تحسين دخلهن، وأقرب مثال لذلك القرار الخاص بقصر العمل في محال بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية، إلى جانب أن القطاع الخاص لم يوفر بيئة عمل تتناسب مع خصوصية المرأة السعودية، على رغم أن خطة التنمية الثامنة من خلال ما ورد فيها في"باب المرأة والتنمية"تؤكد على أن تمكين المرأة داخل مجتمعها يعد ركيزة أساسية لتقدم هذا المجتمع. هناك فئات من المجتمع تصنف الرجل على قمة الهرم الأسري والعملي، فيما تضع المرأة في المرتبة الثانية... هل هذا هو الوضع الطبيعي فعلاً؟ - الوضع الطبيعي لقمة الهرم، المفترض تكون للوالدين من خلال علاقة متوازنة وسليمة، تهدف إلى تربية جيل يُقدر مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع، كما هي مكانة الرجل، ولكن محيط الأسرة انعكست عليه متغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية مع تعقد الحياة المعاصرة، فسيطرة الرجل الاقتصادية والاجتماعية، تبعها اضطهاد المرأة اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً، والذي توارثته الأجيال، وتشكل من خلال موروثات اجتماعية عدة، ومن خلال الأدوار التي يقوم بها الرجال وتضعهم في موقع أفضل مقارنة بالأدوار التي تقوم بها النساء، ويتعزز هذا الاتجاه بالنظر إلى دور الرجل في الغالب على أنه إنتاجي، كونه يعمل ويتحمل الأعباء المادية للأسرة، بينما دور المرأة استهلاكي كونها في المنزل لا تعمل! وللأسف لا تزال هناك مفاهيم لبعض الأدوار داخل الأسرة بين الرجل والمرأة، تدعمها بعض الموروثات الاجتماعية والتفسيرات الدينية الخاطئة، كمنع المرأة من التعليم أو العمل، وكذلك التمييز القائم على أساس الجنس في التربية الأسرية، وقصر مجال العمل على الذكور، والذي انعكس بدوره على الأوضاع الاقتصادية الصعبة لشريحة كبيرة من النساء، وترتب عليه قضايا عدة منها تأنيث ظاهرة الفقر. ...العنف يتربص بالمتزوجات وقاطنات"الأحياء الشعبية" أوضحت الأستاذ المساعد بقسم التخطيط الاجتماعي في كلية الخدمة الاجتماعية في الرياض، الدكتورة ميسون الفايز، أن أكثر الفئات النسائية التي تتعرض للعنف هن من"المتزوجات، ومن الطبقات المتدنية تعليمياً واقتصادياً، إلى جانب ذوات الدخول شبه المعدومة، ومن يقمن في الأحياء الشعبية". وقالت ل"الحياة":"من خلال الدراسة، نستطيع أن نستشف الخصائص الاجتماعية والاقتصادية وحتى المستويات التعليمية للمتعرضات للعنف، فعلى سبيل المثال المرأة ذات المستوى التعليمي الجامعي لديها مصدر دخل يؤهلها للذهاب إلى مستشفيات أو مستوصفات خاصة ويجنبها الذهاب إلى مستشفى حكومي أو جمعية لطلب المساعدة الطبية". وأضافت:"اتضح من الدراسة أن الفئة الغالبة من المتعرضات للعنف هن من الطبقات المتدنية تعليمياً واقتصادياً، فالفئة العمرية للمتعرضات تمثل جيل الشباب من 18سنة إلى أقل من 39 سنة، والأوضاع الاجتماعية لهن معظمهن من فئة المتزوجات، وفئة من لم يسبق لهن الزواج". وأشارت الفايز إلى أن"المستويات التعليمية غلبت عليهن الأمية والمستويات التعليمية المنخفضة"، لافتةً إلى أن"هناك فئة بسيطة يمتهن مهناً متواضعة، بينما الغالبية لا يعملن ويعتمدن على الآخرين مادياً، أو يعتمدن على المساعدات التي توفرها الجمعيات". وتابعت:"الغالبية منهن ذوات دخول شبه معدومة من ليس لديهن دخل ثابت، أو دخول منخفضة من 2000 إلى أقل من4000 ريال، وهن يقيمن في شقق أو بيوت شعبية، تقع غالبيتها في نطاق الأحياء الشعبية أو الأحياء المتوسطة".