لم تكمل ليلى محمد عامها ال13 حتى وجدت نفسها وبشكل مفاجئ ترتدي فستاناً أبيض، وتسمع تلميحات عن زواجها من ابن عمها الذي يكبرها ب15 عاماً. إلا أنها كانت لا تعي ما معنى أن تكون زوجة بين ليلة وضحاها. لتُسرق مرغمة من حياتها الطفولية البريئة إلى عالم لم يحن وقت اقترابها منه. تقول:"بداية القصة عندما أدخلتني أمي إلى حجرتها وأغلقت الباب علينا، وما ان أخبرتني بطلب ابن عمي الزواج مني، حتى انفجرت باكية رافضة وغير مصدقة لما يحصل لي من التحول المفاجئ. لكنها هددتني بأن والدي سيضربني ويمكن أن يقتلني لو لم أوافق لأنه أخبر عمي بأن كل شيء تحت تصرفه". جرت مراسم الزواج وليلى كورقة خريف تستعد للسقوط، إلا أن والدتها كانت بجوارها دائماً، كانت ترتجف خوفاً ووالدتها تردد من خلفها"استحي على وجهك لا تفشلينا"، وتقول:"كل الناس كانوا ينظرون لي بفرح وزغاريد ولا يعلمون ما كانت تلك الطفلة تعانيه، وحين أدخلونا غرفتنا جرت العادة أن تبقى مجموعة من النسوة معنا حتى يخرج الفجر وفي تلك اللحظة أذكر أنه أغمى عليّ من شدة البكاء". مرت السنون بطيئة على ليلى، إلا أنها وخلال سير عجلة الزمن لم تتناس طفولتها التي انتهت قبل أوانها. وتقول:"كنت أحتفظ بالدمى داخل خزانتي وحين يغادر زوجي المنزل أخرجها وألعب بها. وفي أحد الأيام دخل عليّ وأنا ألعب مع أخته الصغيرة، وما كان منه إلا أن نهرني وكاد يضربني وألقى بالدمى خارجاً وحذرني من اللعب بها لأنني أصبحت زوجته وهذا يعيبه ويجعله في نظر أهله صغيراً بحسب قوله". اعتياد المجتمعات على تزويج الفتيات في سن مبكرة جداً، عادة نشأت منذ القدم خصوصاً في الأرياف والقرى. إذ كان المبدأ السائد آنذاك وإلى وقت قريب"إذا جاء نصيب البنت فاجعلها تسير معه حتى لا تتوقف على طريق القسمة والنصيب". وهو ما جعل السن المحددة للزواج قديماً من سن تسع سنوات، وغالباً ما يكون الزوج من أبناء العمومة، أو"الخؤولة"، ثم الأقارب. إلا أن القسم الأول مجبورون على نظام الزواج العائلي الصارم إذ يقال لابن العم"أنت لابنة عمك وهي لك وعيب أن يأخذها غيرك". تزوجت آمنة جبريل عندما كان عمرها تسع سنوات، وما زالت تحكي لأحفادها قصة زواجها من جدهم وتقول:"كنت ألعب خارج المنزل لعبة"اللقفة"وسمعت أمي تنادي عليّ وتخبرني بأنني سأصبح عروسة، فأخبرتها بأنني لا أريد ورجعت أكمل لعبتي مع البنات". وتضيف:"بعد الزواج تعب أهلي وزوجي بسببي، لأنني كنت أهرب من بيت زوجي وأرجع لأهلي باكية وأقول لهم لا أريد الزواج واستمرت هذه الحالة لشهور عدة حتى اعتدت على الوضع لكنه كان مرعباً ومخيفاً". ورداً على تساؤل هل تؤيد زواج القاصرات الآن تقول:"بالطبع لا فهو يسبب مشكلات كبيرة. ونحن في السابق كنا نجبر على الزواج، أما الآن فالفتيات أكثر وعياً من قبل. وحدث أن تقدم شاب ليحجز حفيدتي للزواج بعد أربع سنوات حين تكمل عامها السابع عشر. إلا أنني رفضت وبشدة لأنها مهزلة ولا يجب أن تتم". وتحدد حالياً في القرى والأرياف السن المسموح بها اجتماعياً لزواج الفتاة. من دون قرار رسمي أو إلحاح اجتماعي بأن تكون الفتاة قد بلغت سن 16 سنة على الأقل، إلا أن المخاوف من العنوسة تسيطر على اجواء هذا التحديد، ما يجعله حلاً إجبارياً بحسب العرف الاجتماعي. ... التعدد لتصحيح غلطة الزواج من قاصر ترى فاطمة حسن التي تزوجت وهي لم تبلغ 14 من عمرها،"أنه لابد من أن يكون هناك قانون رسمي يحدد عمر زواج الفتاة من وجهة نظر علمية واجتماعية من طريق إجراء بحوث مستفيضة في هذا الجانب. على ألا تظلم الفتاة ولا تقع في دائرة العنوسة". وتضيف:"تزوجت في سن صغيرة وهذا ما أدى إلى حدوث مشكلات تراكمت شيئاً فشيئاً حتى تزوج زوجي بأخرى. الأمر الذي آلمني كثيراً. مشيرة إلى أن قراره هذا جاء بحسب قوله أنني لم أمنحه حياة زوجية طبيعية، بل وكأنه كان يربي طفلة صغيرة. في حين أن زوجته الأخرى كانت قريبة من عمره. وتتساءل فاطمة:"هل أنا المسؤولة عن فشل حياتي الزوجية؟ لا أعتقد". وتضيف:"أعرف كثيرات تزوجن وهن صغار، وفي نهاية المطاف كان حل ذلك الزواج الاجتماعي الخاطئ أنهن قبلوا التعايش مع ضرائرهن، اللاتي عرفن بأنهن منقذات للحياة الزوجية، وهذا ما يجعل الأمر مستغرباً". تقبل الأسر بزواج الفتاة مبكراً"خوفاً من أن كثرة الرفض يسبب هالة حول البنت يمكن أن يبعد الأزواج عنها مستقبلاً، ولكونه حظاً ونصيباً كما يتداول بيننا"، بحسب قول فاطمة، التي لم تخفِ امتعاضها من هذه النظرة وتقول:"لابد من تصحيح الوضع ولابد من أن تعطى الفتاة حقها في عيش طفولتها، ولا تسرق منها كما حصل معنا لأن ذلك سيؤثر في حياتها المستقبلية لا محالة". ووضع المجتمع المحلي حلاً وسطاً لتفادي مشكلة الزواج المبكر للفتاة، والخوف من أن تدخل في دائرة العنوسة. فكان الحل بأن تحجز الفتاة إلى الوقت المناسب للزواج على أن ترتدي خاتماً يظهر للناس أنها لم تعد شاغرة الآن، الأمر الذي انقسم عليه المجتمع بين موافق ورافض وبشدة. ويبدو موضوع"الحجز"مطمئناً ومقلقاً في الوقت ذاته.