"أسفرت و أنورت واستهلت و أمطرت"... هكذا يقول المثل الشعبي في الشمال عندما يفرحون بمقدم شخص عزيز جداً عليهم. نعم أسفرت الشمال وأنورت بقدوم الملك الإنسان في زيارته الأولى لها، واستهلت بالخير وأمطرت المشاريع لمناطق الشمال كلها، بدءاً بمنطقة الحدود الشمالية ومروراً بالجوف وانتهاءً بتبوك، فها هي منطقة الجوف العزيزة تستقبل الزيارة الملكية الأولى لها منذ عهد الملك سعود - طيب الله ثراه - حيث اختلطت مشاعر الحب والفرح والعاطفة مع التعبير العفوي للأهالي في منظر بديع اكتسته المنطقة بأكملها مرحبة ب?"حبيب الشعب"، ومتفائلة بمقدمه بأن يكون مجلبة خير وعطاء للمنطقة ولمواطنيها، وهو ما يحصل دائماً في كل زياراته، إذ تشمل زيارته للجوف تدشين ووضع حجر الأساس لمشاريع تعليمية وصحية وخدمية بقيمة 15 بليون ريال، يأتي على رأسها تدشين مشاريع جامعة الجوف بكلياتها المختلفة لتكون أساساً وانطلاقة للتعليم العالي في المنطقة، التي ستستوعب 38 ألف طالب وطالبة في حال انتهاء مشاريعها. كما أن البنية التحتية من صحة وطرق ومياه وكهرباء وزراعة وغيرها، حظيت بنصيب كبير في هذه الزيارة الميمونة. "حياكم الله"و?"يالله حيهم"و?"حيا الله ملك الرجال"، بهذه العبارات النابعة من بيئة الجوف، بيئة الشمال استقبل أهالي منطقة الجوف ملكهم المحبوب، ملكهم العادل، ملكهم الإنسان وقالوها بكل عفوية وحب لأبي متعب، وسعد الكل بلقاء الملك من الصغير إلى الكبير، إذ عكستها حفلتهم الرائعة والمميزة التي عبروا فيها أجمل تعبير عن جوف الحضارة والأصالة والتاريخ، في لوحة فنية رائعة بدأها أميرهم فهد بن بدر بن عبدالعزيز بكلمته الوافية عندما قال:"لقد تحققت لهذه المنطقة أشياء منظورة وبقي أكثر منها منتظرة، والمواطنون هنا لهم آمال عريضة وتطلعات إلى مستقبل مشرق في عهدك الزاهر يبارك ما نظروه ويحقق ما انتظروه. إن سرد حاجاتهم مع ما عرف عنهم من كرم الضيافة وحرارة الاحتفاء يتناغم مع ثقتهم بأنك ستضع يدك على تلك الحاجات بحسك الأبوي". إن هذه الكلمات من أمير المنطقة أكبر دليل على أمانته في طرح مشاعرهم وأحاسيسهم وحاجاتهم وثقافتهم أمام ولي أمرهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين. لقد حلقت الجوف عالياً في هذه الحفلة، فامتزجت فقرات حفلتها بعرض تاريخي لمنطقة الجوف مع حاضر مشرق بإذن الله، وامتزج الشعر مع النثر في كلمات مفعمة بالصدق في التعبير والأمانة في النقل وتفاعل أبناؤها حاضرة وبادية، شيباً وشباباً رجالاً ونساءً في محبتهم لمليكهم الغالي والمحبوب، إذ أبدعت الجوف في حفلتها عندما حولتها إلى لوحة تحاكي الحضور وتشدهم إليها بشكل مؤثر ورائع انعكس بشكل إيجابي على كل من شاهدها. لقد حلقت الجوف في السماء نجمة مضيئة لتزهو بهذه الزيارة التاريخية لها، وكما صنعت تاريخها وحضارتها في السابق، فقد رسمت حاضرها ومستقبلها في هذه الحفلة الرائعة، حيث أنستنا فرحة وحرارة اللقاء مع ضيفنا كل مطالبنا فيكفينا ما قاله أميرنا في كلمته الرائعة التي كانت خريطة طريق لمنطقة الجوف ترسم حاضرها وتخطط لمستقبلها، ويكفينا إسقاء مليكنا بيديه الكريمتين لغرسه شجرة الزيتون المباركة رمز السلام التي أصبحت رمزاً للجوف وشعاراً لجامعتها، وكذلك يكفينا أن مليكنا وولي عهده بيننا ورأى بعينه فرحتنا واعتزازنا بمقدمه الميمون، أليس هو القائل:"يسعدني أن أكون بينكم في منطقة الجوف الغالية التي شهدت البطولات العربية في ممالك ما قبل الإسلام، وشهدت روعة الإسلام وانطلاقته في غزوة دومة الجندل... وكانت من أوائل المناطق التي أعلنت تأييدها للمؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود ? رحمه الله -". إن الجوف وكما عبر عنها أميرها بقوله:"ونحن من دون ولي الأمر لا شيء"، هذا أبلغ تعبير عن أهل الجوف المحبين والمخلصين والأوفياء لدينهم وولي أمرهم ولوطنهم ولدولتهم ولتاريخهم ولحضارتهم ولأصالتهم ولإنسانيتهم. أما بالنسبة إلى منطقة الحدود الشمالية فقد حظيت بمشاريع بقيمة 3.3 بليون ريال لمنطقة الحدود الشمالية أولها مشروع جامعة الحدود الشمالية في عرعر كأول مشاريع التنمية العلمية التي يضع حجر أساسها خادم الحرمين الشريفين لمعرفته وإيمانه بأهمية العلم في حياة الشعوب وتقدمها ولتصبح الجامعة ال?23 في المملكة، وخلال فترة وجيزة من النهضة التعليمية التي تشهدها المملكة أخيراً في مجال التعليم العالي، ولتكون رافداً من روافد العلم والمعرفة في المنطقة والوطن. وكذلك وضع حجر الأساس لشركة أسمنت الشمال المصدر الاقتصادي المهم بالنسبة إلى المنطقة، خصوصاً وقوعها على الحدود العراقية، ما يتيح لها الفرصة لتسويق منتجاتها في البلد الشقيق المجاور بعد تغطية حاجات المنطقة وخلق فرص وظيفية كبيرة لها. كما أن المركز الحضاري في عرعر حظي بشرف افتتاح خادم الحرمين الشريفين له، إضافة إلى مشاريع التعليم الفني في منطقة الحدود الشمالية، التي تشمل افتتاح مبنى الكلية التقنية والمعهد المهني في عرعر بكلفة قدرها 400 مليون ريال وبقدرة استيعابية 11 ألف متدرب ومتدربة. كما أن مشاريع المياه والصرف الصحي والكهرباء هي ضمن اهتمام خادم الحرمين الشريفين، إذ سيضع حجر الأساس ويدشن عدداً من المشاريع بكلفة 2400 مليون ريال لمنطقة الحدود الشمالية. ويمكن القول إن المشروع الكبير بالنسبة إليهم هو وجوده بينهم وتناغمه معهم. إن أهم مشروع أطلقه خادم الحرمين الشريفين من خلال كلمته لأهالي الجوفوالحدود الشمالية هو مشروع التآخي والعدل وعدم التفرقة ونبذ العنصرية فلا منزلة لمنطقة على أخرى ولا مكان للعنصرية بيننا، فالجميع أخوة ومتساوون في الحقوق والواجبات، فلهم الحق والمساواة، إذ قال:"فالوطن واحد والشعب واحد، ولا توجد في الوطن مناطق الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة الثانية، فالجميع سواسية أمام الله، وأمام الوطن الغالي الذي ندين له - بعد الله - جميعاً بالولاء والمحبة والإخلاص". أليس هذا أفضل مشروع يطلقه خادم الحرمين الشريفين في جولته الشمالية؟ أليست هذه المبادئ والمثل من يتمسك بها ويصونها سيكون ملكه راسخاً؟ نعم قالها أبو متعب في الشمال وهو يعرف أن أهل الشمال لا يفرقون ولا يتعنصرون ويتمتعون بأريحية كبيرة في تحمل الآخرين والدليل المثل الشعبي القائل:"خلك شمالي وسيع بال". لقد عبر أهالي منطقة الحدود الشمالية ابلغ تعبير عن فرحتهم بخادم الحرمين الشريفين من خلال حفلتهم وذلك بعرض أهازيجهم من شعر وهجيني ودحة إلى اختتامها بالعرضة السعودية في لوحة جميلة معبرة عما يحفظون لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين من محبة وتقدير وفرحة لم تشهدها الحدود الشمالية منذ 50 عاماً. أبو متعب، تعجز الأقلام أن توفيك حقك، وها أنت تقولها في الحدود الشمالية:"والحقيقة إنني معكم طيلة الوقت حتى لو لم أكن بينكم لأني أعيش همومكم ومشاغلكم وطموحاتكم ليلاً نهاراً"، وكذلك قلتها في الجوف:"أن يكون البعض إقليمياً، أو عصبياً، يعني أنه جرد نفسه من فضائل الدين التي حذرت من ذلك، ودعت إلى الوحدة والانتماء لله ? جل جلاله - ثم لوطن نعتز ونفخر به". إن هذه الكلمات التي أطقها خادم الحرمين الشريفين هي نبراس سيضيء طريق الأجيال إلى التقدم والعمل والرفعة بإذن الله. * عضو مجلس الشورى.