يحكى أن أحد الأشخاص بنى منزله على ارض يدفن فيها الموتى، وعلى رغم تحذير الناس له، الا انه لم يلتفت الى هذه النداءات فبنى عليها منزله من اجل ان يسكن فيها هو واسرته وأبناؤه، إلا انه لم يهنأ بالمنزل الجديد وعلى رغم قدمه فجميع افراد الأسرة يشتكون من سماع اصوات وظهور أشباح في منتصف الليل، صاحب المنزل يعتقد ان ما يحدث ليس سوى تهيؤات ويصر أن يقيم فيها على رغم ما يلحق ابناءه واسرته من اذى. والأمر متروك له لاتخاذ القرار فيما يخدم مصلحته او ان يبقى هكذا في هلع وخوف طوال حياته. اضطررت لأن أقدم هذه الحكاية في بداية الموضوع حتى استطيع ان اوصل الصورة الحقيقية لصندوق تنمية الموارد البشرية الذي يدعم السعودة وتوظيف السعوديين في القطاع الخاص، اما نشأته فهي لا تختلف عن قصة صاحب المنزل: فالصندوق يغذي خزينته من رسوم العمالة المقيمة في البلاد وعددهم يتجاوز 9 ملايين مقيم عامل، وكلما زاد عدد الوافدين كانت حصيلة الصندوق اكبر واكثر، ويستطيع ان يدعم اكبر قدر ممكن في برنامج السعودة، وعلى رغم ان عمر الصندوق يتجاوز 11 عاماً، إلا انه مثل صاحب المنزل الذي تسمع اسرته اصوات الاشباح، هكذا الصندوق منذ قيامه يعاني الكثير من المعوقات والخلل في تنفيذ برامجه لتحقيق الهدف وتخفيض عدد البطالة وتوظيف عدد الكبير من السعوديين ومع انه يقدم حوافز للقطاع الخاص من تحمل نصف المرتبات لمدة عامين وطرح برامج اخرى تتعلق بالتدريب والتأهيل، فهو لا يزال يعيش هواجس الخوف والرعب من فشل مشروعه. وبحسب ما نشر في الصحف المحلية الاسبوع الماضي فقد شرعت 3 وزارات معنية بدراسة تتعلق برفع تكاليف الاستقدام، كما تنوي زيادة رسوم التأشيرة والاقامة ورخصة العمل، التي يدفعها اصحاب الاعمال لعمالتهم تعتبر منخفضة وتحتاج الى زيادة كي يصبح السعودي محل اهتمام الشركات، وبحسب الخبر فإن صندوق الموارد البشرية ينتظر هذا القرار ليتمكن من دفع نسبة ال50 في المئة من رواتب معلمي القطاع الاهلي المنتظر عبر الاموال المحصلة، وهذا هو السبب في تأخر صرف مرتبات المعلمين في القطاع الاهلي. عليكم ان تتخيلوا منزل صاحبنا واصوات الاشباح التي يسمعها هو واسرته. كيف يمكن ان يكتب لمشروع النجاح وهو يمول بعرق وجهد الآخرين وهم المقيمون؟ مهما كانت المبررات: هل زيادة الرسوم الحكومية للمقيمين هي الحل وستقضي على البطالة واقناع القطاع الخاص بضرورة توظيف السعوديين، وعلى مدى 11 عاماً لم يحقق الصندوق اهدافه على رغم كل الوسائل التي يستخدمها؟ بل إنه عبء على السعودة لبرامجه غير الناجحة، إلى متى يظل الصندوق يدفع نصف المرتبات ويتحمل كل هذه التكاليف الباهظة، ومع ذلك لم ينجح برنامج السعودة، فمعظم الشركات تطرد موظفيها بعد انتهاء فترة عامين، وهي مدة التزام الصندوق بصرف المرتبات، كما ان هذا البرنامج قضى على الكثير من الكفاءات المهنية والعملية وعزز الغاء الطبقة المتوسطة بتدني المرتبات وانعدام الوظائف لاصحاب الشهادات الجامعية والعلمية، والاعباء على الصندوق ستزيد كما علمت؛ فهو يستعد لصرف مرتبات للباحثين عن العمل في برنامج «حافز» الذي اطلقته وزارة العمل السعودية وسيطبق بداية العام المقبل، واذا افترضنا ان عدد المسجلين في «حافز» وصل الى المليون فهذا يعني انه سيحمل اعباء على الصندوق تقدر بنحو 3 بليونات ريال في العام، فيما موارده تعتمد فقط على ما يتحصله من نسبة في رسوم الخدمات الحكومية المقدمة للمقيمين. وفي فبراير الماضي انتقد اعضاء مجلس الشورى عمل الصندوق الذي خصص مبلغ 620 مليون ريال من اصل بليوني ريال و80 مليون مخصصة للتدريب. كما ان ايرادته بلغت اكثر من بليونين و100 مليون ريال، والان مع توسعات اعماله لم يتبق على الصندوق الا ان يطلب من المقيمين ان يمزقوا ملابسهم حتى نوفر لابنائنا فرص العمل، ولاننا نسير في الطريق الخطأ ونبني بيوتنا على ارض غير صالحة، فلن نجني زرعاً ولا نحصد ثمراً. الحلول لا تأتي هكذا، لن تفلح زيادة الرسوم في معالجة المشكلة اذا لم تكن الدولة جادة في معالجتها في تقنين الاستقدام، وملاحقة الموجودين من المقيمين الذين يشكلون فائضاً، بالعكس: اطالب بتخفيض الرسوم مع تحييد الاستقدام وتسهيل الاجراءات، فالاستقدام مثل المخدرات والتبغ، مهما ارتفعت اسعارها لا يتركها المدمنون، بل ينعكس على سوق العمل، ورفع اجور العامل المقيم، والحل ان يتوقف الصندوق عن تغذية خزينته من رسوم الخدمات، حتى نتوقف نحن السعوديين عن سماع اصوات الاشباح، بل عليه ان يطبق عقوبات رادعة بحق الشركات والقطاع الخاص وملاحقة المؤسسات التي تفصل موظفيها تعسفاً او تقدم لهم مرتبات متدنية، وتشكل لجان عمالية في الشركات كما هو معمول في كثير من الدول، وان تبقى قرار فصل الموظف السعودي في القطاع الخاص في يدها وليس في يد الشركة، اما تقديم الحلول الوقتية التي يقدمها الصندوق فليس حلاً للصداع، وفي ظني انها ستخلق مشكلة كبيرة في المستقبل ان لم يتم الانتباه لها من الآن. واظن أنه كلما انخفض عدد المقيمين فذلك يشكل عبئاً مالياً على الصندوق، فاستمراره مرتبط بزيادة المقيمين في البلاد، في تقرير للصندوق قبل خمس سنوات أنه 9 حقق إيرادات بلغت بليونين و200 ألف ريال، تجاوزت إيرادات رسوم تأشيرات الدخول بليون و500 مليون ريال، وجاء باقي الإيرادات من رسوم الإقامات ورخص العمل وغرامات نظام العمل. فأرجوكم: امنحونا الهدوء والطمأنينة لابنائنا في وظائفهم، ولا تجعلوهم يستقيظون خائفين مفزوعين من اصوات الاشباح او العفاريت! * اعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] twitter | @jbanoon