سألني أحد الزملاء كيف حال الصحة؟ قلت: أي صحة؟ صحتي أم صحة الحكومة؟ قال: ما دخلك أنت والحكومة؟ قلت هما مرتبطان ببعض قال يا أخي لا تأخذنا إلى منحى فلسفي فاختصر، قلت: صحتي بخير لكنني بالأمس أصبت بألم أسفل الظهر فذهبت إلى مستوصف الحي، فإذا بطبيب حديث السن مكتئب قلبني ظهراً لبطن من دون أن يكون لديه سرير ثم أخذ ورقة الوصفة فسألني عن عمري وقاس الضغط وأكمل الحرارة من عنده ثم كتب كلمة، فرجع لكتاب بجواره ثم قام واستشار طبيباً في غرفة مجاورة فعاد وكتب لي مسكناً قائلاً أنت بخير لا شيء فيك! وكنت سمعت حكاية فكرتها أن صحة الناس رهن مردتهم فتذكرت مباشرة جارنا الأسمر المحدودب الظهر وانتقل إلى ناظري مشهده مع شروق الشمس وقد أشعل النار وهو ممسك بعنزته العجوز العرجاء إذا نظرت إليك كأنما ستخترقك والميسم في يده وهو يكويها في ملتقى الظهر مع الذنب وكأن هذا الطبيب معروف بعلاج الحيوانات وأهلها فخطر بذهني أن أستشيره فماذا سأخسر؟! فمرر يده على ظهري متتبعاً فقرات الظهر حتى طقت واحدة فكأنما نشطت من عقال فما عدت أحس بالألم السابق. ولما كانت السمرة هذه الليلة، كان الحديث عن حال مستوصفات الأحياء هو الآخذ بزمام الكلام فانبرى شيخ تجاوز المئة كان متكئاً فأقام ظهره وقال بحماسة أطباؤكم هؤلاء يحتاجون لعلاج إلا من رحم ربي فهم سمان يتشدقون دخاناً أو عجاف يتمغطون كسلاً مطمئنون لرتابتهم... فاستأذن للحديث شاب قال: هم يأتون للعمل بآمال عريضة وحماسة قوية لكن نسيانهم في هذه المراكز التي يسمونها الرعاية الأولية من دون تنويع أماكن عملهم جعل منهم موظفي سجلات. وأخذ الحديث في جوانب الصحة مادحاً وذاماً منها جعل مصير الناس بيد أناس يلجون دوائرنا ليفسدوا ويهلكوا الحرث والنسل لنزاعات شخصية، وكان الأولى أن نقدس حقوق الصالح العام فلا يتدخل فيها الغوغاء ويجعلوا من مرض قلوبهم دماراً للمجتمع، فالحكومة أقدر على تحييد قوى الشر التي تعرقل تنمية البشر أم أنه"اخطبوط الواسطة"سطا على مسارات الخير في بلادنا وأحرقها لمآرب دنيئة وجعلنا على أكف العفاريت يلعبون بنا كيف شاءوا وشاء مريدوهم! هل يتكرر مثل القصيبي الذي اختلف الناس عليه واتفقوا، لكنهم أجمعوا على نجاحه في وزارة الصحة التي حركت رواكد الماء عندنا، فلنعرف ماذا صنع الرجل ولنحذو حذوه، وليكن كل وزرائنا قصيبيين، وكل وزاراتنا تتمتع بصحة جيدة وإنتاجية ذات ربحية فاعلة وتعامل متفاعل مع جمهورها تتحسس متطلباته فتلبيها. وليس من المروءة استجداء الاستشفاء الذي هو حق لكل إنسان، إذ يموت المريض ثم يسمح له بالعلاج فهو من باب إلى باب ومن وسيط إلى وسيط وبرقيات تلو برقيات... وإن سلم ربك فعشرون بصمة وعقد من الروتين قبل أن يُرضى بقبول تمريضه. وحتى نكون رحماء نمثل الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى... يجب أن يكون المستشفى مثل المسجد فلا نستوقف الناس الداخلين إليه لنسألهم أين مستنداتكم، أما الموظفون المدنيون فليسوا في الحسبان والدليل هو أن صحتهم مطروحة في الطرقات تباع وتشترى يبيعها المسؤول ويشتريها طبيب الأعشاب فالعمال أٍمن على علاجهم، وهؤلاء يتسولون في مستشفيات العسكريين أو يزاحمون الوافدين في المستشفيات العامة التي تعرف بمستشفيات الفقراء... هذا للمؤمنين بالطب ، أما العشبيون فوجدوها سهلة رخيصة في ذهابهم للراقي والمطبب، ولذلك تخرج من أوكارهم كثيرون صاروا أطباء شعبيين بسبب خبرتهم التي تكونت من خلال عرضهم لأنفسهم حقول تجارب مجانية لأولئك الباحثين عن رزق ولو ازرقت عين الزبون فالمهم ألا يفقد الدراهم ولو فقد صاحبه. ومن حكايات الطب الشعبي أن فريقين متجاورين كانا يتمازحان بينهما ومرة جاء لأحد بيوتهما شخص غريب يقود بعيره وتتبعه زوجته فسأل أين الطبيب الذي يذكرونه عندكم؟ ولم يكن من طبيب غير أن أحدهم أراد أن يحول الموضوع إلى نكتة فقال: إنه صاحب البيت الذي تراه هناك في أعلى الرابية وسيقول لك لست بطبيب، لكن أنخ جملك وأدخل زوجتك بين أولاده ولا تبرح بيته حتى يعالجك فلما أتاه قال له: أنا وزوجتي لا ننجب وقد أخبرنا أنك تعالج العقم، وها نحن نطلب علاجك، فاعتذر الرجل وحلف بالأيمان كلها أنه ليس بطبيب ومن أخبرهم بذلك فهو كاذب، لكن المحاولات لم تفلح في إبعاد الرجل وزوجته فقد بقيا أسبوعاً مما ضيق على المضيف وعلى أولاده، فأراد أن يحتال لأمره ليبعد الضيف وامرأته فناداه في ضحى أحد الأيام وقال له: اجمع لي من هذه الروضة سبع حدجات ثمر الحنظل واجلس أمامي وظهرك إلي، فرماه في ظهره بالحدج ثم قال له: قم سالماً وناد زوجتك، فجاءت فأمرها بجمع سبع حدجات أخرى ثم قال لها: اجلسي كما جلس زوجك فجلست وسدد الحدج السبع إلى ظهرها ثم دعا لها وقامت إلى زوجها وغادرا الحي وبعد سنة أناخ رجل بعيره ونزلت عنه امرأة تحمل طفلاً يتبعهم خروف ومعهم عكة سمن هديتان للطبيب الذي بفضله أعطاهما الله غلاماً جميلاً، ومنذ ذلك اليوم صار"الرجل الطبيب النكتة"طبيباً بالفعل بفعل ضحكة من صديق. نسأل الله أن تكون الصحة بخير مقدمة للجميع يدخل المريض متفائلاً كل أبواب المصحات من دون خطاب أو استئذان لأن هذا حق كل إنسان أياً كان لا فضل فيه لأحد سوى رب السموات، حتى لا نعود كالعرب الذين ذكرهم عمرو بن كلثوم: ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدراً وطينا وحتى لا ننسى أن الإسلام هذبنا وجعلنا خير أمة أخرجت للناس. * كاتب سعودي [email protected]