الراقصون في البرية تولد أجسادهم على العشب، دليلهم هدهد مفتون بالسرد، غير أنه لا يسرد الأثر. يسبقهم ويسكن المسافة، حتى إذا اكتشفوا الياقوت في أجنحتهم، هرعوا إلى وكرو وحشي ليشهدوا على حطام العنقاء. الراقصون في البرية عبر حواسهم يولد أصل العالم، لكنهم يعرضون عنه طمعاً بالفراديس السرية التي تمنح لغير المكترثين، أولئك الذين لا يعلقون فوانيسهم على سماء مرهقة بالدم. ولا يكترثون كثيراً لهذا الجرف الأزلي وهو يموّه كمائنه في عراء تتمدد فيه اللبونات. هم رعاة القمر وهو مقصور عليهم يضاجعونه في مغارة غطش ليلها بنهارها تقطر منها القضة ويحرسها حنكليس القيامة بذيله الكهربائي، مغارة بجوار شجر مريب على هيئة مجهولة. مع الفجر يطلقون القمر من الحبس وعلى حرشفته مني متجمد وحجر يحترق. إنهم المنشدون يخاتلون الوقت كلما أوغلوا في العشق ترتبك الأزهار في حضرتهم وتسقط كهرمانة الجبل. أقلعوا عن منازلهم ولم يعيروا أدنى وزن لمهلك الأمل، كأنما يترصدون الألواح ويقتنصون النيازك عبر الرقص يستخفهم برق منفلق من سلالة الدم الأنيس. ساقطون في ريف أسود، هوت بهم عجلات تعرج في السماء. ها هم يخلعون الأقنعة التي جمدتهم في مرتبة التماثيل. يصنعون زورقاً من خشب الجنة لا ليبحروا به وإنما ليذكروا شروط البحر. هو الرقص إذاً، لا يخضع للمداولة يشق الفراسخ والأقفاص، يسمونه زهرة الفوضى، قدرته باهرة كقدرة المهرّج تستحوذ عليهم. الرقص هندسة تتشكل عن جذر وحشي يغط في شبكة معتمة. عراة تحت قمر يعقدون مشنقة النعناع للغسق، تخلبهم رسولات بلا أجراس يوزّعن الحلوى عليهم فيما يمارسن السعي في هذا الخلاء الشاسع، ثم يتدافعن عبر الفجر من المصائر والمعادن والمواقيت ريثما يساقط ريش غزير يحجب الجهة الأكثر وعورة في رحلة القنص. مشيئة غامضة يزحف بها شاغل الدم والصلصال. وهو يكبكبهم مع أقدارهم تحت قرع المطارق في الجهة التي ترفض نفسها لتنفتح على أول العري. مشيئة تتوج الحواة بأحبولتها متداركة انكسار الأركان لحظتئذ تسرق الراهبة بوصلة الصيّاد. مشيئة تذهب بهم من دون وصاية من أحد تعتقل مشرديها بالقدري بالحزن والظل الغامض، إنها المشيئة طفلة العدم ودسيسته المشاكسة.