حاولت الأمسية الثقافية التي أقامتها جماعة حوار في"أدبي جدة"مساء الثلثاء الماضي، من خلال ورقة الدكتور حسن النعمي"مدخلاً إلى الآخر في الخطاب الروائي السعودي"، ورقة الأستاذ محمد الحرز"تجليات الآخر والقراءة التأويلية"، وضع تعريف شامل ودقيق لمصطلح"الآخر"فيما يشبه المناظرة التأسيسية للمصطلح، حيث أكد النعمي في بداية ورقته أن"الآخر"هو الخارج عن تكويننا الاجتماعي بكل ما يجمعه من الأطياف الاجتماعية المختلفة، وبما يحظى به الأفراد في سياقه من هوية ونمط عيش وموقع حضاري يميزهم. فرؤية الروائيين ذاتية منطلقة من إرث ديني وحضاري وثقافي واجتماعي، تجعل الفرد الكاتب أو غيره جزءاً من منظومة أكبر يدور في فلكها هذا الفهم المعقد والمركب للآخر. و"الآخر"، بحسب ما ذهب إليه النعمي، ليس اختلاف عرق أو جنس، بل اختلاف حضارة ومنطلقات دينية وثقافية. وتطرق النعمي الى ظاهرة تمثيل الأنا العربية - روائياً - بالرجل، في مقابل"الآخر"الذي تمثله المرأة. حيث قال في روايات"موسم الهجرة إلى الشمال"للطيب صالح و"قنديل أم هاشم"ليحيى حقي، و"عصفور من الشرق"لتوفيق الحكيم، وغيرها من الروايات يتجلى ذلك. فهذا مصطفى سعيد في مقابل نساء الغرب، وهذا إسماعيل مقابل ميري، وهذا محسن مقابل سوزي. وتسائل النعمي: هل هي مصادفة أن يجمع الروائيون على أن الرجل هو ممثل الشرق في صراعه مع"الآخر"الغربي.؟ وأعقب بسؤال آخر: أليست نوايا الخطاب هي التي تحرك هذه النظرة الاستعلائية في العلاقة بين الطرفين؟ وختم النعمي بتقريره إن الإنتلجنسيا العربية أخفقت في فهم كيفية العلاقة مع"الآخر"، فكيف يمكن أن ننظر لابن لادن وقد رضع إيديولوجيا مركبة من الديني والسياسي والموروث الثقافي والاجتماعي مع وعي أقل بالملابسات الحضارية بين الشرق والغرب؟ بينما ذهب الناقد محمد الحرز في مقدمة قراءته لرواية"شرق الوادي"للكاتب تركي الحمد الى أن"الآخر"هو الذي يتولد من خلال العملية التأويلية التفاعلية، التي تنتجها القراءة من طرف، والكتابة من طرفها الآخر، بحيث تصبح اللغة هي منبع الدلالات، والتجربة الذاتية مداها المتحرك، صحيح أن هناك فرضية قد توحي بالأحكام القبلية إذا كنا نقصد بكلامنا عن"الآخر"ذلك المختلف في الدين والعرق والعقائد والجنوسة والإثنيات فقط. لكن الاهتمام ينصب بالدرجة الأولى على"الآخر"الذي هو نتاج مغامرة تأويلية أطرافها النص والسياق والمؤلف والقارئ. وجزم الحرز بأنه لا يمكن الحديث عن مفهوم للآخر بعمومية مطلقة، لا في السسيولوجيا ولا في الانثروبولوجيا ولا في التحليل الأدبي، ولا في العلوم الإنسانية والفلسفية والتاريخية. ويرى أن مشروطية الوعي به، ومن ثم اكتشافه يتوقف على مقدار فهم العلاقة التي نمر بها كقراء بين تجربتنا الذاتية في المكان الذي تربينا فيه، وحملنا ذاكرته من جهة، وبين سلطة التربية الأخلاقية والروحية للأسرة والمدرسة والمؤسسة باعتبارها نظاما للقراءة والتلقي. وإذا كان تدريس الأدب مشروطاً بتصوراتنا عنه، فالمؤسسات التعليمية التي تضطلع بتدريس الأدب لأولادنا وبناتنا بجميع الأنظمة والقوانين التي تحكم هذا التدريس، سوف تفضي انطلاقاً من تصوراته تلك إلى موت الأدب، لأنه يسعى من خلال هذا التدريس للحفاظ على حياة النصوص فقط.