اختلاف... واختلاف الرؤية للنظرية الواحدة، والتعاطي معها في الإسلام، وقد بدا هذا المفهوم واضحاً وجلياً وملموساً في قول الإمام الشافعي - رحمه الله- "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، الذي اعتمده العلماء الحقيقيون كقاعدة أصولية مهمة بنيت عليها كثير من العلوم الفقهية خصوصاً في باب الاجتهاد... هذا الباب الذي يطرح في مجمله ولدى كل هؤلاء العلماء سؤالاً مهماً وضرورياً، الإجابة عنه تستوجب ?بالضرورة - فهماً دقيقاً لطبيعة القضية المطروحة، ومدى إلمام الآخر بها، وتمكنه العلمي والفقهي من النظر فيها، والسؤال يطرح كالتالي: هل كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد فقط؟... الإجابة عن هذا السؤال البسيط في كلماته، المركب في معناه، تنبثق منها معظم الأسس الفقهية لفهم باب الاجتهاد في الإسلام، وهو ما يصب في الأخير لمصلحة المجتمع الإسلامي بأكمله. ربما كان من الضروري الولوج بهذه المقدمة للتوقف ? كثيراً - أمام رد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع على رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ صالح اللحيدان، المنشور في إحدى الصحف المحلية منذ أيام، والذي تضمن"اختلافاً"وليس"خلافاً"في مسألة علمية تتعلق بموضوع"الرؤية"، أحدهما رأى بضرورة الأخذ بشهادة العدول، والآخر رأى أن الأخذ بعلوم الفلك لتحديدها أوجب، واستعرض كلاهما، فضيلة الشيخ المنيع وفضيلة الشيخ اللحيدان، رأيه بأسلوب مهذب ينم عن علم متأصل وفهم حضاري راقٍ في الطرح والاختلاف، وهو أسلوب قد لا أكون مغالياً إذا ما اشرت إلى أننا وبشفافية تامة نفتقده بعض الشيء، ومنذ سنوات طويلة، في حواراتنا ونقاشاتنا المتعددة، خصوصاً تلك المتعلقة بالشأن الديني. فالغالب الذي نشأ عليه"البعض"، هو التسليم المطلق بأمور كثيرة، منها ظاهري من دون أدنى محاولة للفهم... لذا فإننا مازلنا حتى الآن - بكل أسف - نعاني صعوبة في إقامة حوار موضوعي لتصحيح أي مفهوم خاطئ متشبع بالتعصب والانغلاق على رأي واحد وتطبيقه حتى ولو بالقوة التي تأخذ أشكالاً متباينة، تبدأ بمن حول هذا البعض من محارم وأقارب، وصولاً إلى سبل فرضه على المجتمع بأكمله بالقتل والتفجير من دون ترك مساحة للنقاش والفهم والاستماع والعدول حال ثبوت الخطأ، وهو ما يجعل مثل هؤلاء عرضة للوقوع، ربما في كثير من الأوقات نتيجة تعصبهم الديني المقيت ودونما قصد، في يد جماعات لديها أجندتها السياسية في المنطقة، تختفي بدهاء خلف ستارة دينية محكمة التضليل سعياً لاستقطاب أكثر عدد من هؤلاء الشباب المخدوعين فيهم. قد يكون النقاش الذي أطلقه الشيخ المنيع في رده على رئيس مجلس القضاء الأعلى هو المفتاح الحقيقي لحل كثير من الإشكاليات المرتبطة بمسائل خلافية أخرى كثيرة، كما أن طريقة وآلية الرد نفسها تعكس ما يجب أن يكون عليه شكل الحوار والرد من هدوء واتزان بعيدين، وندعو لاعتبار ذلك الحوار بين الشيخين العالِمين الجليلين"سنة"في النقاش والتوضيح، وجعل الرد والنقاش من أجل الفهم والتوضيح، وليس من أجل الجدل أو الخلاف، وكما قال الإمام مالك"كل يأخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر - مشيراً إلى قبر رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه... نأمل أن يؤخذ من كل علمائنا ويرد عليهم حتى يكون هناك حراك ديني قادر على مواجهة الانغلاق والتعصب. [email protected]