أكد الكاتب الأكاديمي الدكتور حمزة المزيني أن هناك أسباباً خارجية للإرهاب، لا يمكنها أن تنشط من دون أن تجد مجالاً داخلياً يقبل وجودها وتفشيها في المجتمع. وذكر، في محاضرة ألقاها في نادي جدة الأدبي عن"منابت التطرف"، أن هناك أربعة أسباب كان محصلتها ما يعانيه السعوديون من إرهاب وتطرف، وهي الخلاف بين القوى التقدمية والمحافظة في الخمسينات الميلادية في القرن العشرين ونتج من ذلك أن وفد للسعودية أعداد كبيرة من"الإخوان المسلمين"من مصر وسورية والعراق، إضافة إلى الثورة الإيرانية في أواخر الثمانينات التي أحدثت ضجة في المنطقة، ونشأ نتيجتها صراع بين السعودية وإيران على وتيرة هادئة، أيهما يمثل الإسلام الصحيح. وافتتح المزيني محاضرته التي أدارها رئيس النادي الأدبي في جدة الدكتور عبدالمحسن القحطاني بقوله"أؤكد لكم أن الشماغ ليس من أسباب الإرهاب"كناية على حضور عدد من المنتسبين للتيار الديني للندوة، وأضاف: كان من أسباب الإرهاب في السعودية حادثة الاعتداء على الحرم ما لفت الأنظار إلى موجة مختبئة تحت السطح، وكسبت قوة دفع هائلة وبسطت نوعاً من التوجه الديني السائد، تبع ذلك غزو الكويت وتفجيرات الرياض وأحداث 11 أيلول سبتمبر وما تلاها من أعمال إرهابية في الرياض، إضافة إلى الجهاد الأفغاني المتزامن مع الثورة الإيرانية. وحمّل المزيني الإخوان المسلمين مسؤولية إيمان الشبان السعوديين بالفكر الجهادي التكفيري، قائلاً:?"الجهاد لم يجد بيئة صالحة في مصر، ووجد في بعض شبان السعودية أرضاً خصبة لتلقين هذه الأفكار وتفعيلها. وطالب المزيني بإعادة النظر في فقه الجهاد لنسحبه من أي فئة تمنحه تأويلاً لمصلحتها ضدنا أو ضد غيرنا، معتبراً أن ثقافتنا المحلية تعاني من إرهاب على نار هادئة، ولو أنه لا يتمثل في قتل وتفجير لكنه في النهاية تشنج وتعصب قد ينتهي بالتكفير والتفجير خلافاً لما كان عليه المجتمع السعودي قبل 30 عاماً، فقبل 30 عاماً كنا متدينين غير مؤدلجين وهذا ما نريد أن نعود إليه ونترك ما قادنا إلى معاداة الآخرين. فيما طرح شريك المزيني في المحاضرة الدكتور أنور عشقي رؤيته للأسباب التي تؤدي إلى التطرف وذكر منها رفض الحوار مع الآخر، وعدم التعدد الثقافي، والحرمان النسبي، والصدمة الثقافية، والتأثر العاطفي، وخيبة الأمل من فكر لآخر ومن مجتمع إلى مجتمع، والإقصاء الفكري، والإكراه الفقهي والعقدي، والتبعية الفكرية. وذكر من الأمثلة، أن المصريين يقضون في السعودية مدة طويلة ويألفون الالتزام الديني في السعودية، وعندما يعودون إلى بلادهم لا يتكيفون مع الوضع المختلف في مجتمعهم، وعندما لا يجدون سبيلاً للتكيف يتحولون إلى العنف والتطرف كوسيلة لإنكار المنكر. وأشاد عشقي بتجربة الحوار الوطني قبل ستة أعوام ولجنة المناصحة التابعة لوزارة الداخلية، ووصف التجربتين بالرائدة في محاربة التطرف والإرهاب والحد من انتشارهما وكشف العوامل التي تؤدي إلى تورط الشبان في براثنهما. من جهة أخرى، اتسمت مداخلات حضور الندوة بالجدية في النقاش والاستدراك على المحاضرين، وكان للدكتور حمزة المزيني النصيب الأكبر من النقد، لكونه تهرب من العنوان الرئيسي للندوة"منابت التطرف"وتحدث مباشرة عن الإرهاب، ما وصفه البعض بالهروب من الأهم والأخطر لما هو أقل خطورة وأهمية وارتكاب الخلط والتناقض في تحميل واتهام جهات بما هي بريئة منه. وشهدت الندوة حضور عدد لا بأس به من فئة الملتزمين دينياً الذين اتهموا المزيني بافتقاد الموضوعية لتحميله المناهج التعليمية وحلقات التحفيظ ما لا تحتمله، كما عاب احد الحضور على المزيني عدم استشهاده بالقرآن والسنة في محاضرته، وقال للمزيني:?"من أي منطلق تتحدث"، خلافاً لمحاضرة عشقي التي كانت مليئة بالاستشهادات القرآنية والأحاديث النبوية.