يقف المار بحي البطحاء في الرياض للحظات يتأمل كثافة العمالة البنغالية في كل جهة يقع عليها نظره، فينتابه للحظات شعور قوي بأنه في العاصمة البنغلاديشية دكا، وليس في العاصمة السعودية الرياض، ثم لا يلبث أن يدرك أن حجم العمالة البنغالية التي تنتشر ملء مساحة منطقة سوق البطحاء، هو السبب في ذلك الشعور الذي انتابه للحظات وهو يتأمل تلك الحشود البنغالية الصاخبة، وخلال التجول على المحال التجارية تلفت النظرظاهرة السيطرة المطلقة لهذه العمالة على الأنشطة التجارية كافة، فهم من يقومون ببيع الجوالات وصيانتها، وتارة أخرى بيع الملابس الجاهزة، وفي محل آخر بيع الأدوات الكهربائية، وللاختصار العمال البنغال في كل مكان. إحصاءات بشرية ومالية وعن إحصاءات أجريت عام 2003، صرح السفير البنغالي السابق لدى السعودية شيراز حسن بأن عدد عمالة بلاده في السعودية في حدود مليون ومئة ألف عامل، وقال:"عندما نرسل العمالة المدربة، فإننا سنتجاوز هذا الرقم"، معترفاً بأن العمالة المرسلة إلى السعودية غير مدربة بخلاف المرسلة إلى دول أخرى. وعند النظر إلى العمالة البنغالية من وجهة نظر اقتصادية بحتة، نجدها تشكل ثقلاً اقتصادياً كبيراً على الدولة, إذ يظهر ذلك في كم الحوالات التي تتسرب سنوياً خارج الاقتصاد الوطني، إذ أوضح السفير شيراز أن التحويلات المالية للعمالة البنغالية بلغت في عام 2003 أكثر من بليون وسبعمئة وخمسين مليون ريال، وكشف تقرير الإحصاء السكاني لمدينة الجبيل الصناعية 2005 الذي أصدرته الهيئة الملكية في الجبيل عن بيانات القوى العاملة حتى عام 2004 عن أن عدد العاملين في مدينة الجبيل الصناعية بلغ نحو 76 ألف عامل من جنسيات مختلفة، قسمت إلى أربع مجموعات رئيسة، وهي سعوديون بنسبة 31.1 في المئة أي ما يعادل 23.6 ألف عامل سعودي، وعرب آخرون بنسبة 42 في المئة، و48.3 ألف عامل أجنبي من شرق آسيا. وأوضح التقرير أن نسبة العمالة الهندية بلغت 24.9 في المئة، لتحتل المرتبة الثانية بعد العمالة السعودية، تليها العمالة الفيليبينية بنسبة 16.5 في المئة، ثم العمالة البنغالية بنسبة 8 في المئة، وتمتهن تلك العمالة البنغالية"السائبة"التي اتخذت من شارع البطحاء ملتقى لها الأعمال المشروعة وغير المشروعة كافة، ويرتكب أفرادها المخالفات كما يحلو لهم، كالتخفي في الزحام الذي تشهده سوق البطحاء، خصوصاً في أيام الخميس والجمعة. غياب الرقابة زاد مخالفاتهم ويمكن القول إن الانشغال الكبير للأجهزة الأمنية في الفترة السابقة بالقضايا الأمنية الخطرة، جعل أفراد وجماعات هذه العمال يشعرون بالأمان، لغياب أو ضعف الرقابة عليهم، لذلك تضخمت مخالفاتهم، وأخذت في التنوع بين المخدرات والأفلام الإباحية وتمرير المكالمات، لتصبح البطحاء وجهة يجد فيها روادها ما يريدون، إقامات مزورة، أو مأوى للهاربين من كفلائهم، إضافة إلى مصانع للخمور. ويتفق السعوديون على أن تلك العمالة رديئة من حيث الأداء والأخلاق، وأن خطرهم وإجرامهم، يهدد أمن البلاد واقتصادها، ما جعل منهم، مرفوضين لدى معظمهم، إلا أنه في الوقت ذاته نجد أن بعض السعوديين، خصوصاً التجار حريصون على استقدامهم، وذلك لسبب واحد هو تدني أجورهم. ويقرأ المتصفح للصحف اليومية، أخباراً عدة عن العمالة البنغالية، كلها تتحدث عن الجريمة، فنجد في إحدى الصحف ما نصه:"القي القبض يوم أول من أمس في محافظة الرس على وافد بنغالي يفتش في نفايات الحي القريب من المطعم الذي يعمل فيه، ويجمع"حفائض الأطفال"، ما أثار انتباه أحد المواطنين الذي قبض عليه وسلمه لشرطة محافظة الرس لمعرفة خلفيات هذا التصرف وكانت المفاجأة المذهلة، اعتراف هذا الوافد بأنه يجمع ذلك من اجل إخراج قذارة"الحفائض"ليحشو بها الدجاج"قبل طبخها". وفي خبر آخر نقرأ:"ألقت شرطة محافظة جدة القبض على عامل نظافة بنغالي في مدرسة بتهمة اغتصاب طفل في السابعة من عمره داخل إحدى المدارس الابتدائية، إذ ثبت تورطه في القضية وتم تحويله إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لاستكمال مجريات التحقيق، تمهيداً لتحويل أوراق قضيته إلى المحكمة الشرعية". والتقت"الحياة"عدداً من المواطنين، اتفقوا على أن العمالة البنغالية تشكل خطراً كبيراً على المجتمع والأمن وكذلك على الاقتصادي الوطني. قال خالد الشيباني:"ان تدني رواتب العمالة البنغالية، ورغبتهم في جمع أكبر مبلغ من المال للعودة إلى بلادهم هما السببان الرئيسان لانتشار مخالفاتهم وجرائمهم، الأمر الذي يؤثر سلباً في أمن المجتمع وسلامة الاقتصاد المحلي، في حين أن دولهم تستفيد من الحوالات المالية". كما قال سعود عبدالله:"إن البنغاليين يتكاتفون بشكل قوي وخطر، للوقوف في وجه النظام، إذ إن واحداً منهم تشاجر مرة مع شخص آخر ليس بنغالياً في البطحاء، فاجتمع أصدقاء البنغالي وانهالوا ضرباً عليه"، مطالباً باتخاذ إجراءات صارمة للحد من جرائهم المتنوعة.