"أصحاب العقول في راحة"، ينطبق هذا القول على ليلى التي تنتظر هدية تأتيها في مطلع العام الجديد، عبارة عن"كتاب الأبراج والتوقعات لعالم فلكي شهير"تقول بثقة. هذه الشابة التي لا يتجاوز عمرها ال19 لا تترك مجلة أو كتاباً يتحدث عن برجها إلا وتقتنيه، معتقدة أن ما يُكتب في هذه الكتب صحيح. وهي تعيش"فوبيا"التوقعات، فتفتح عينيها صباحاً لتعرف بين الصفحات ما يخبئ لها اليوم من مفاجآت، وتنام على حلم تحقيق ما وعدها به الكتاب من أحداث سعيدة. والتي من النادر أن تتحقق، فعلى رغم حرصها على اقتناء هذه الكُتب، لكن في داخلها قناعة أنها لا تعدو أن تكون"كذبة كبيرة تعلقت فيها، فباتت مزيجاً من التسلية واكتشاف الجديد". وحتى في حال ما تطابقت التوقعات مع الأحداث، فإن ليلى تعتقد أن الأمر لا يعدو"أن يكون مصادفة". وصادف أن والدها توجه إلى لبنان في رحلة عمل، فاتفقت معه على أن يُحضر لها الكتاب من هناك، ومع أنه عارض بدايةً، بيد أنه استسلم بعد إلحاح ابنته، ولكن بعد أن أسدى النصيحة لها بأن"هذه الكتب مضيعة للوقت". ويقول مسؤول إحدى المكتبات في الدمام:"إن الكثيرات يأتين ليسألن عن كتب التوقعات، بينما لم يصادف رجلاً أتى ليطلب هذا النوع من الكتب. ويلفت النظر إلى أن الطلب يزداد مع اقتراب نهاية العام الميلادي وبداية العام الجديد"فسوق الكتب في البلاد العربية الأخرى تزخر بأنواع وأشكال من الكتب التي تتناول التنبؤ في المستقبل من كشف الغيب ومعرفة المصير وتحليل الأسماء ومعرفة تأثير الكواكب على الناس". وتستغل بعض هاويات التنجيم وجودهن في زيارة إلى البحرين أو الإمارات أو غيرهما من الدول المجاورة للمملكة للحصول على هذه الكتب، وإلا يكون عليهن أن يبحثن عمن يحضرها لهن. تقول فائزة الناصر:"منذ أسبوع أو أكثر، بدأت الإعلانات عن كتاب مؤلفة ذائعة الصيت، وبدأت المجلات تتحدث عن توقعاتها، ما أثار فضولي لمعرفة ما يتضمنه الكتاب، وتؤكد أن"الكثير من رفيقاتي يتابعن توقعاتها، ويشترين الكتاب كل عام، اعتقاداً منهن أن ما تتوقعه يحدث على أرض الواقع". لذا اتفقت فائزة مع صديقة لها، سافرت للسياحة في لبنان على أن تحضر لها الكتاب معها"ووعدتها بأن أدعها تقرأه لقاء ذلك". ولم تتأخر أم أحمد في طلب الكتاب الجديد لأحد"المنبئين"على رغم قناعتها بأن"المنجمين كذبوا ولو صدقوا". وهي كلفت أحد رفاق ابنها بإحضار الكتاب معه عند عودته إلى المملكة بعد عيد الأضحى. وكم تتمنى أن تمضي الأيام سريعة"لأنني أستعد للكثير من التغييرات في حياتي العائلية والمهنية، وأحب أن أرى ما تخبئه لي النجوم من أحداث". ومع أنها معلمة في مدرسة، إلا أنها تحاول المواربة لتقنع الجميع بأن"الإطلاع على هذه الكتب يدخل من باب الثقافة المنوعة"، لكن أحداً لا يقتنع في حجتها. أولى الحاصلات على كتاب توقعات الأبراج للعام الجديد كانت هيام محمد، والتي لم يكن أمامها خيار من إعارته لجارتها، إذ قامت بقراءته وتدوين أبرز ما فيه"وعدتها بأن أعيرها الكتاب لاحقاً لنسخه، أو تصويره". ورأت هيام أن الإقبال على هذا النوع من الكتب في ازدياد، كما أن وسائل الإعلام تهتم بهذه الكتب وبالتوقعات مع بداية العام، ما يعيد إلى الناس هاجس الحصول على معلومات عن مصيرهم ومستقبلهم". وتظهر"ثقافة"الأبراج وقراءة الطالع ثرية لدى الكثير من المراهقات والسيدات من مختلف شرائح المجتمع، لكن هذا لا يجعل الأمر حكراً عليهن، إذ تؤكد سميرة الأحمدي أن زوجها"يدعي عدم الاهتمام في الأبراج، لكن ما أن أشتري الكتاب في كل عام، حتى أجده يسترق النظر خلسة إلى الصفحات التي تتحدث عن توقعات برجه". وعلى رغم ارتفاع أسعار بعض هذه الكتب، وبخاصة تلك التي يمهرها توقيع"فلكي شهير"فإن الذين يهتمون بها لا يتأخرون عن دفع الدولارات لقاء حصولهم عليها"مستوردة"عبر الحدود. وتأخذ هذه الكتب حيزاً في المعارض التي تقام عادة في عدد من الدول العربية. وتشير الإحصاءات إلى أنها تسجل نسباً مرتفعة في المبيعات. وتسعى مراهقات إلى الحصول على الكتب التي تتحدث عن الجوانب العاطفية لكل برج، وبعض الفتيات يبنين الكثير من الأحلام على هذه التحليلات الفلكية، ويجعلنها رئيسة في اختيار شريك الحياة. وتهتم بعض السيدات المتعلمات والمثقفات بقراءة هذه الكتب"فضولاً"أو رغبة في"معلومة لا ترسخ لكنها لمجرد المعرفة"بحسب وفاء التي اشترت كتاباً عن الأبراج من البحرين. لكن هذه القراءة التي تعطي البعض إحساساً بالسعادة لمجرد وجود توقع بحدث سار أو مكافأة مالية أو زواج قريب، لا تعدو كونها"أفيون"يخدر العقل موقتاً"إذ أعود لأجد أن ما في علم الغيب لا يعلمه إلا الله"كما تؤكد وفاء، وتسترجع الكثير ما علق في ذاكرتها من توقعات برجها العام الماضي، والتي"لم يتحقق منها شيء"تقول بضحكة ممزوجة بحسرة. ويرى الكثيرون أن الاستسلام لهذه الأوهام، يعد"ضعفاً في الوازع الديني، بخلاف هواية البعض في البحث عن كذبة لتصديقها"، ويؤكدون أن الذين يقبلون على قراءتها، يؤمنون تماماً أنها ضرب من الأوهام والخداع، وإن صدقت أحياناً".