مع الأسف، نسمع كثيراً عن قيم عليا ومُثل رائعة وتنظير جميل، ولكن الإنسان يصاب بالصدمة حينما يرى أقرب الناس إليه يحذره من ارتكاب الأشياء المشينة وينهاه عنها إذ نجده، في بعض الأحيان، يأتيها أمام الناس، وأحياناً يفاجأ الابن بالتناقض العجيب من الأهل والأصدقاء المقربين، فيصاب بصدمة من ذلك، بل يصبح في تشكيك دائم ومستمر بسبب رسوخ صورة غير محببة في مخيلته، ويظن أن جميع الرموز والقدوة ينتهجون المنهج نفسه، في حين أن الواقع لا يصدق ولا يكذب مثل هذا التصور، إذ إن الواقع مليء بالمتناقضات. لقد أصبت بتخمة المقولات التي ظاهرها الحق وباطنها الكذب والخداع، فما أكثر الكلام الجميل والقول الرائع والتصور الذي وافق الحق ولكن أريد به غير ذلك! الله سبحانه وتعالى حذر في أكثر من موضع، ورهب في أكثر من آية على خطورة القضاء والتنافر بين ما يقوله الإنسان وبين ما يعمله، فقال جل وعلا: يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وقال تعالى في سورة البقرة: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟! لا أريد أن أستطرد، أنني حينما انتقدت الدكتور الفاضل، حمزة المزيني في بعض آرائه التي كان يطرحها في محاضراته الأكاديمية أمام أبنائه الطلاب، وأنا واحد منهم، ساءني ما قام به تجاهي فأنا أستمتع بمحاضراته وأختلف معه كثيراً في آرائه، وكان كثيراً ما يمازحني بعباراته الاستفزازية، وأنا وهو متفقان على أن الخلاف لا يفسد للود قضية. ولكن بعد ذلك المقال تغيرت الحال، فبعد أن استقال الدكتور حمزة من الجامعة، قابلته أكثر من مرة وكان تعامله قبل نشر المقال لطيفاً جداً، بعد ذلك انقطعت الاتصالات بيني وبينه، لانشغال كل منا، حاولت أن أجري حواراً معه لإحدى الصحف المحلية، فاتصلت عليه ورحب في بادئ الأمر، ولما عرف أنني الذي كتب المقال عنه في"الحياة"، قلب ظهر المجن، فأرعد وأبرق ورفض الحوار وقال: دعني في حالي وأنت في حالك. أقفلت الهاتف وأنا مذهول من كلامه، أقول لماذا غضب؟ وهو الذي دائماً يطالب بأدب الحوار وثقافته، واحترام الآخر وعدم الإقصاء وعدم الأحادية في الفكر والتفكير. مرت الأيام، لتجمعني المصادفة بالدكتور حمزة في صرح الجامعة ففرحت عندما رأيته فذهبت إليه لأبارك له بعشر ذي الحجة المبارك وأسلم عليه، فلما بدأت معانقته ودقق في صورتي دفعني بيده، قائلاً:"يالله روح هناك عني". بعدها انحرجت وقلت: أحسن الله عزاءنا في قيمنا ومبادئنا التي لم تتعد حناجرنا. وأيقنت أن الحرية والديموقراطية لا وجود لهما. جامعة الملك سعود [email protected]