يمثل المتقاعدون في السعودية شريحة متنامية عاماً بعد عام، وعلى رغم التكاليف التي تكبدتها الحكومة والمجتمع في الإنفاق على هذا القطاع من تعليم وتدريب أفراده، إلا أن هذا الإنفاق لم يستثمر بالصورة الأمثل، حتى أصبح المتقاعدون يتهمون المؤسسات الحكومية بالتقصير. ففي أحيان كثيرة تمثل إحالة الموظفين إلى التقاعد الباكر أو الإجباري، هدراً للطاقات المنتجة، وتعطيلاً لفريق من الموارد البشرية، خصوصاً تلك الفئة من المتقاعدين الذين لا يزالون قادرين على توظيف معارفهم وخبراتهم، في وقت لا تزال نصف القوى العاملة غير سعودية. وبحسب الإحصاءات الرسمية، تجاوزت أعداد المتقاعدين في السعودية ال700 ألف، وأصبح هؤلاء يعيشون اليوم في منأى عن العمل والإنتاج، مع وجود شريحة منهم قادرة على العمل، وهي تعيش على تخوم خط الفقر في مجتمع ميسور، إذ إن قرابة 30 في المئة من المتقاعدين، لا يتجاوز دخلهم في الغالب الحد الأدنى للمعاش التقاعدي وهو 1800 ريال. وبنظرة أمل واستعطاف أجمع المتقاعدون، على ضرورة وجود جمعية تعنى بهم، تكون بداية طريق كان يجب التفكير بها منذ زمن، نظراً إلى تجاهلهم من الحكومة أو المؤسسات الخاصة بالمتقاعدين، وكأنهم ليسوا أفراداً من هذا المجتمع الذي قدموا له زهرة أعمارهم. والغريب في الأمر أن الذين تجاهلوهم اليوم سيصبحون في المستقبل، أعداداً تضاف إليهم وسيصيبهم ما أصاب سابقيهم من هذا التجاهل. ويرى المتقاعدون أن الأموال التي تملكها مصلحة معاشات التقاعد، حق لكل المتقاعدين وليست لسواهم، ويعتبرون أن أموال التأمينات حق للمتقاعدين من الشركات، التي لا ينطبق عليها نظام الموظفين، وبالتالي فإن هذه الأموال يجب أن تصرف عليهم من دون منة من أحد، لافتين إلى أن أموال مصلحة التقاعد والتأمينات بالبلايين، وهي تستثمر في مشاريع متعددة. هناك أشياء كثيرة يجب القيام بها لمصلحة المتقاعدين الحكوميين وسواهم، قد يكون في مقدمها الاهتمام بمعيشتهم، والتأكد من أن الراتب التقاعدي الذي يحصلون عليه كافٍ لتغطية متطلباتهم الأسرية. ويشير الواقع إلى وجود أعداد كبيرة من المتقاعدين، لا يجدون الأشياء الأساسية التي يحتاجونها وأسرهم في ظل الغلاء المتزايد. إن هذه الفئة كانت ولا تزال تأمل بأن يشملها الكثير من القرارات، وأن يتم التحرك السريع، سواءً من وزير العمل أم من سواه، ليتحقق العدل بين أبناء المجتمع الواحد. ومن أهم الأشياء التي يجب أن تقوم بها مصلحتا التقاعد والتأمينات، متابعة أحوال المتقاعدين المادية، وجعل أنظمتهم تتماشى مع هذه الحاجات، خصوصاً أن أموال هاتين المؤسستين تكفي لتحقيق كل متطلبات منسوبيهما، خصوصاً أنها حق لهم ويجب أن تصرف عليهم. هناك واجبات إنسانية أهملت بحق هؤلاء المتقاعدين. كان من الواجب أن تكون لهم أندية اجتماعية في كل مدينة يجتمعون فيها ويمارسون بعض الأنشطة التي تتفق مع ميولهم. هؤلاء أيضاً بحاجة إلى رعاية صحية، كانت من حقوقهم قبل التقاعد، لكنها لم تعد كذلك، على رغم حاجتهم إليها أكثر مما كانوا عليه أيام الوظيفة. فمؤسسة التأمينات لديها مستشفيات، فلماذا لا تتكفل بالعلاج المجاني لكل متقاعديها؟ وتسهل لهم على حسابها فرص العلاج في المستشفيات الأخرى. الكثيرون يتحدثون عن التقاعد، وكأنه مصيبة ومنهم من يجزئ الكلمة على نحو مت قاعداً، إلا أن هناك من أعطاه الله إصراراً وعزيمة، ليرى التقاعد بداية استمتاعه بالحياة، والتكيف مع هذه المرحلة إيجابياً من دون التركيز على عوائق التقاعد وضغوطه، ويسعى إلى الاستفادة من خبراته وعلمه ونقل تجربته، خصوصاً بعد أن تنوعت في السنين الماضية تصنيفات المتقاعدين، وأصبح البعض منهم يحمل المؤهلات العليا، ومنهم من يحمل تخصصاً نادراً. وأصبحت المطالب تتضاعف يوماً بعد يوم، للاستفادة من خبرات المتقاعدين، والأخذ بتجارب الدول المتقدمة التي اعتمدت على المتقاعدين في مجال الاستشارات والدراسات. كما طالب المتقاعدون في السعودية خلال الأعوام الماضية، بالاستفادة من خبراتهم عبر عدد من الندوات واللقاءات، وأعلنت مؤسسة التقاعد سعيها للتنسيق مع جهات عدة للاستفادة من خبرات المتقاعدين، إلاّ أن العمل على ذلك لن ينجح إلاّ بعد أن يتم مسح الصورة السلبية عن التقاعد من أذهان بعض أفراد المجتمع ومؤسساته والمسؤولين فيه، ويكون النظر إلى المتقاعد على أنه شخص يتمتع بالخبرة والتجربة في مجال تخصصه.