ينتظر سكان محافظة الأحساء بفارغ الصبر انتهاء مشاريع مياه وصرف صحي تبلغ كلفتها نحو نصف بليون ريال، تنفذها حالياً المديرية العامة للمياه في المنطقة الشرقية، على أمل ان تنتهي معاناتهم مع النقص الحاد في المياه الذي دام سنوات طويلة. وتتفاقم الأزمة في كل فصل صيف، وتبلغ ذروتها خلال شهر آب أغسطس، إذ يصبح الحصول على المياه"أمراً شاقاً"، كما يقول محمد المصطفى، الذي يقطن إحدى القرى الشرقية في المحافظة، التي يربو عدد سكانها على المليون نسمة. وعلى رغم كل الاحتياطات التي لجأ لها المصطفى، وكان من بينها إنشاء ثلاثة خزانات أرضية، يعمد إلى ملئها بالماء في شكل دائم، وفرضه قيوداً صارمة على أبنائه، فإن أسرته تواجه"أزمة خانقة"كل صيف. ولا يقتصر الأمر على القرى الشرقية، فقاطنو القرى الشمالية والهفوف والمبرز والعيون يواجهون الأمر ذاته. وتزداد المعاناة مع ارتفاع درجات حرارة، وتواجه المنازل مشكلة انقطاع الماء في شكل دائم، حتى لم يعد الانقطاع أمراً غريباً لدى السكان، ويصف عبد الرحمن الظفر نقص المياه بأنها"أزمة معتادة في كل عام"، ويضيف"لا أتعجب إذا ما انقطع الماء فجأة وأنا أستحم، فخلال السنوات الماضية تكرر ذلك كثيراً". وعلى رغم ذلك فإن الظفر يثير تساؤلات عدة حول مسبباتها واتساع رقعتها واستمرارها"من دون الوصول إلى الآن إلى حلول جذرية". ومع تفاقم أزمة المياه صيفاً في الأحساء يستعيد سعيد الهاني ذكريات الأحساء القديمة"كانت المياه تتدفق عبر جداول تنتشر في كثافة بين بساتين النخيل وعلى حواف القرى، إلا أن هذه الصورة تغيرت، فأصبحنا نلاحق الماء ونتوسل أصحاب الصهاريج، ليرحمونا من الجفاف الذي نعانيه"، مضيفاً"كانت الأحساء مضرباً للأمثال في وفرة المياه، وأذكر في احد الأعراس ذهبنا إلى عين الجوهرية، فلم أستطع دخولها، لأنها عميقة جداً ومملوءة بالمياه، على رغم أنني أتمتع بقامة طويلة نسبياً، أما اليوم فلا أخشى على طفلي الصغير من السباحة في مياهها بمفرده، لأنها لا تتعدى كاحل القدم". وتعد صهاريج المياه المتنقلة أحد أبرز الحلول للمشكلة، على رغم أسعارها المرتفعة، ما يدفع السكان إلى تخصيص بند للمياه في موازناتهم، حتى أن غالبية المنازل تحتفظ في أماكن بارزة بأرقام هواتف العاملين في تلك الصهاريج، التي تعمل وفق مواعيد يتم حجزها في صورة يومية، وبتكلفة قد تزيد على 20 ريالاً للخزان الواحد، الذي بالكاد يكفي أسرة صغيرة لمدة يوم واحد. إلا ان معضلة تواجه أصحاب المنازل الواقعة في أزقة ضيقة وداخل أحياء متراصة المباني أو متعرجة المداخل، فتكون المشكلة أعمق والألم أكبر، ويقول خالد الحمود الذي يسكن في حي شعبي في بلدة المركز:"لا يمكن أن يصل خرطوم الصهريج إلى منزلي"، ما دفعه إلى"وضع خزان مياه في مدخل الحي أملؤه بالماء، ثم أنقله إلى منزلي من طريق عربة صغيرة لا تحمل سوى القليل من الماء، وأقضي جل وقتي ذهاباً وإياباً، وأصاب بإرهاق وتعب بعد كل مرة أنقل فيها الماء". ويبدو حال سليمة أحمد جارة الحمود أكثر صعوبة، فأطفالها صغار، لا يمكنهم نقل الماء إلى منزلهم، فيقوم بمساعدتها. وتصف معاناتها الصيفية ب"الهم الكبير"، وتقول:"فكرنا في الانتقال من هذا الحي الضيق، لكننا لم نجد بيتاً آخر، ونحن نحلم بانفراج الأزمة التي لم نجد لها حلاً مع مرور الزمن". وتعدت المشكلة حدود الأحياء السكنية الضيقة لتصل إلى الأحياء الخارجية التي تقع على شوارع واسعة، إلا أن هذا الاتساع لم يكن سبباً في حل مشكلة نقص المياه عن بعض المنازل، وهذا ما ينقله إبراهيم أبو خمسين، الذي يقول:"نسكن في آخر الشارع، وهو أمر جعل احتمال وصول المياه إلينا أمراً صعباً، فجيراننا يسحبون المياه بكميات كبيرة، لكون منازلهم تقع في أول الحي، ولا يصلنا إلا القليل". ويوضح عبد الإله الحسين الذي يسكن قرية الرميلة"نعاني هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، وخاطبنا مصلحة المياه والصرف الصحي، قبل ان تتحول إلى إدارة للمياه، بعد إنشاء الوزارة قبل سنوات على أمل إيجاد حل، وأخيراً بدأت الوزارة في تنفيذ مشاريع، نأمل ان تنهي معاناتنا مع النقص الحاد في المياه". وإذا كان الأهالي اعتمدوا في شكل كبير على مياه الآبار الارتوازية في حل معاناتهم مع النقص، فإنها لم تعد حلاً ناجعاً"بسبب انخفاض منسوب المياه وقلة الأمطار". ويضيف الحسين"نأمل ان تنتهي مشاريع المياه سريعاً، حتى لا تتكرر المعاناة في صيف العام المقبل". وعود ب"حل المشكلة خلال سنوات" توقع المدير العام للمياه في المنطقة الشرقية المهندس عبد الرحمن محمد المانع انتهاء مشكلة المياه في محافظة الأحساء في غضون سنوات قليلة، مع تزايد مشاريع المياه والصرف الصحي التي تنفذ فيها، والتي يزيد ما ينفذ منها حالياً على نحو نصف بليون ريال. وقال:"إن الموازنات المقبلة ستحمل المزيد أيضاً من المشاريع للمحافظة، التي تشهد توسعاً سكانياً وعمرانياً كبيراً". وتشمل المشاريع الجارية إنشاء خطوط مياه رئيسة وفرعية وخطوط ومحطات للصرف الصحي ومحطات معالجة وتطوير، بعضها ثنائية وثلاثية، وتنفيذ خط دائري على مدينتي الهفوف والمبرز، وربطه بنقاط عدة في شبكات المياه في الأحياء. ومن أبرز مشاريع المياه مشروع لاستكمال تنفيذ ربط الأحساء وقراها بشبكة مياه واحدة، بكلفة 60 مليون ريال. وبلغت موازنة المياه في المحافظة للعام المالي الجاري 315 مليون ريال، وتتضمن إقامة عدد من المشاريع، أبرزها خزانات وخطوط مياه رئيسة في جبل الشعبة للمرحلة الثانية بمبلغ 160 مليون ريال، ومشاريع للصرف الصحي في مواقع مختلفة من المحافظة بقيمة 50 مليون ريال، ومشاريع مياه أخرى بقيمة 25 مليون ريال، وإنشاء محطة تنقية وخطوط نقل رئيسة من حقل"ويسة"إلى الأحساء وقراها بمبلغ إجمالي وصل إلى 75 مليون ريال. كما يُنفذ خط ثالث من حقول الآبار في منطقة"ويسة"لزيادة كميات المياه المغذية للمحافظة وقراها بكلفة 50 مليون ريال. وتصل المياه المحلاة من المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة من محطتها في الخبر إلى حقل"ويسة"الجوفي، عبر خط أنابيب دشنه قبل عامين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، ليمد مدينتي الهفوف وبقيق بنحو 90 ألف متر مكعب من مياه البحر المحلاة، يتم خلطها بمياه حقل"ويسة"الذي تبلغ طاقته 120 ألف متر مكعب يومياً، ليكون كامل المياه الواردة لمحافظة الأحساء وبقيق نحو مئتي ألف متر مكعب يومياً، وبمتوسط معدل أملاح ذائبة مقداره 600 جزء في المليون، وهو معدل من أفضل المعدلات المتاحة للاستخدام المنزلي. كما بدأت"تحلية المياه"أخيراً في تنفيذ مشروع إيصال جزء من هذه المياه إلى قرى الأحساء الشمالية والشرقية، لتعويض النقص في مصادرها من الماء الجوفي.