عاد الحراك الثقافي والديني والتاريخي في الساحة السعودية أمس، حول الاقتراحات والقرارات الخاصة بمصلى النساء في صحن الطواف حول الكعبة المشرفة في الحرم المكي. جاء ذلك، بعد أن أصدرت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي اقتراحاً، لنقل الموقع المخصص للنساء لأداء صلاة الفروض أو ركعتي الطواف في المنطقة المعروفة باسم"صحن المطاف"، وهي المساحة الخارجية للطواف حول الكعبة المشرفة. وكان الموقع الحالي لصلاة النساء في صحن الطواف، قبل اقتراح استبداله أمس، شهد جدلاً وحراكاً ثقافياً ودينياً طوال الأعوام الماضية، طالبت فيه مثقفات وناشطات سعوديات بتوسعة مساحته لإتاحة الفرصة للنساء للصلاة بعيداً من الزحام، عوضاً عن نقله. وأكد الاقتراح أن مساحة الموقعين الجديدين تبلغ أضعاف المساحة الحالية في صحن الطواف والبالغة 630 متراً مربعاً، وهما أكثر بعداً عن أماكن الزحام والحركة. وهو ما يؤكده أيضاً عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة الدكتور أسامة البار الذي شارك في اللجنة التي توصلت إلى الاقتراح. وقال البار في تصريح إلى"الحياة":"الاقتراح يحل إشكالية ازدحام النساء في صحن الطواف، فقد كان من الصعب توسعته". مشيراً إلى أن:"القرار يراعى في ظل الظروف الحالية والمساحة المتاحة في الحرم". وحينما سألت"الحياة"الدكتور البار حول المرجعية الشرعية في الاقتراح، خصوصاً مع الآية القرآنية:"واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى"، رد قائلاً:"الصلاة خلف مقام إبراهيم للنساء والرجال لم تعد موجودة". وكان مصدر مسؤول في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بأن الرئاسة تقوم بتهيئة جميع السبل لمرتادي المسجد الحرام لأداء عباداتهم داخل المسجد الحرام بكل يسر وسهولة ولخصوصية المرأة، فقد تم تحديد أماكن خاصة للنساء في مواقع متفرقة في المسجد الحرام في جميع أدواره وساحاته. وأضاف بيان"رئاسة شؤون الحرمين":"وردت ملاحظات واقتراحات في شأن الموقع المخصص للنساء المعد لأداء صلاة الفرض في صحن المطاف وبتوجيه من أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز تم تشكيل لجنة من إمارة منطقة مكةالمكرمة والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومعهد خادم الحرمين الشريفين، لدرس الموقع الحالي وظروفه واتضح لها ثلاث نتائج رئيسة، الأولى أن صحن المطاف معد لاستيعاب حركة الطائفين، وقد يأخذ الطائفون أكثره ويصل الأمر أحياناً إلى انتشار الطائفين في كامل الصحن في أوقات الذروة في رمضان والحج. أما النتيجة الثانية فهي أن التنظيم المعمول به حالياً يعطي الفرصة للنساء بأداء ركعتي الطواف في مواقع متعددة من صحن المطاف، وكذا جلوسهن للتنقل والنظر إلى الكعبة المشرفة في جميع الأوقات. وأكدت النتيجة الثالثة للدراسة أن المكان المخصص حالياً للنساء داخل صحن المطاف معد لتمكينهن من أداء الصلوات المفروضة ومنع اختلاطهن بالرجال في أوقات الصلاة، وتبين أن الطاقة الاستيعابية لهذا المكان محدودة، وأنه بالإمكان إيجاد مواقع مطلة على الكعبة المشرفة بطاقة استيعابية أوسع تفي بالمتطلبات المقصودة وأن هناك أماكن مخصصة طوال الوقت للنساء في شرفة الدور الأرضي مطلة على الكعبة المشرفة وتشغل نحو 25 في المئة من المواقع المطلة على صحن المطاف. وأوضح البيان أن اللجنة اقترحت الاستبدال بالموقع الحالي المخصص للنساء في صحن المطاف لأداء الصلوات المفروضة موقعين آخرين يطلان مباشرة على الكعبة المشرفة يقعان في الشرفة الشمالية للدور الأرضي: الأول بين باب الفتح وباب الندوة والثاني بين باب المدينة وباب الحديبية وهذان المكانان أكثر ملاءمة للنساء فهما أكبر مساحة، إذ تبلغ مساحة الموقع الحالي في صحن المطاف نحو 630 متراً مربعاً، بينما مساحة هذين الموقعين تبلغ ضعف المساحة الحالية، وهما أكثر بعداً عن أماكن الزحام والحركة. وشدد البيان قائلاً:"وهذا المقترح يحقق السلامة والخصوصية والإطلالة على الكعبة المشرفة وعدم التضييق على الطائفين الذين يزداد عددهم في المواسم ويعد أكثر وجاهة للنقل عبر التلفزيون والفضائيات". وأضافت توسعات الحكومة السعودية وآخرها التوسعة التاريخية للملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله أبعاداً كبرى لمساحة الحرم المكي الشريف، إذ تبلغ المساحة الإجمالية للحرم المكي الشريف حالياً 653 ألف متر مربع بما في ذلك المساحات المحيطة به والمخصصة للصلاة وكذلك السطح. كما تبلغ مجموع المداخل العادية للحرم 45 مدخلاً، إضافة إلى أربع بوابات رئيسة وتسع مآذن وسبعة سلالم كهربائية متحركة وسلالم عادية. وأنشأت توسعة الملك فهد بن عبدالعزيز محطة مركزية في منطقة كدي لتكييف الحرم ويتم نقل المياه المبردة من هذه المحطة عبر أنابيب داخل نفق ممتد من الحرم إلى موقع المحطة، حيث يتم ضخ هذه المياه المبردة الخاصة بالتكييف إلى مبنى التوسعة، وتدخل هذه المياه إلى البدروم السفلي بالتوسعة الذي يشتمل على مئة مضخة لتغذية وحدات معالجة الهواء. وشمل مشروع توسعة الملك فهد بن عبدالعزيز أيضاً، تسوية وتوسعة الساحات المحيطة بالحرم لأداء الصلاة فيها حيث تم نزع ملكية العقارات الموجودة بها وإزالتها، وتم رصفها بالبلاط الفاخر وإضاءتها بأبراج إنارة عالية وفرشها بالسجاد الفاخر أوقات الذروة والمواسم، وتزويدها بمكبرات الصوت ومياه زمزم المبردة وذلك لأداء الصلاة بها لتخفيف الازدحام داخل الحرم. وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات أكثر من 40 ألف متر مربع وتستوعب أكثر من 65 ألف مصل في الأيام العادية وتتضاعف في أيام الذروة. كما تضمنت التوسعة تنفيذ عبارات خرسانية في منطقة ما حول الحرم المكي تم تنفيذها بشكل دائري لتمديد خدمات المرافق العامة بها، من مياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وغير ذلك من دون اللجوء إلى التكسير للحفاظ على جمال المنطقة حيث تقوم كل جهة بتمديد خدماتها عبر هذه العبارات الخرسانية الموجودة تحت الأرض.