إن المرحلة التي مر بها مجتمعنا من النمو الاقتصادي، وفرت فرص عمل كثيرة، وفتحت الباب أمام المزيد من الطلب على الأيدي العاملة الخارجية، لندرتها محلياً في تلك الفترة من النهوض، وهذا شيء مطلوب لمواكبة عجلة التقدم والبناء تمشياً مع حركة التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها البلد، وكل ذلك شيء جيد ويثنى عليه. ولا يغفل عن بال كل منا أن ما نحن بصدده من هذا التطور يقابله في الطرف الآخر أيدي وافدة بكل مالها من مهارات حملت ثقافات وعادات ومعتقدات مجتمعاتها التي أتت منها، والتي لا تتناسب مع ما نحمله من مبادئ وعادات وقيم اجتماعية تربينا عليها، وبالتالي كان لابد من إفرازات سلبية لهذه المرحلة، التي يجب أن نأخذ منها الدروس ونستقي منها العبر. فما حدث فتح أعيننا على ما غفلنا عنه لسنوات، بل أوجب علينا أن نعيد حساباتنا، ليس هذا فقط، بل نكيل اللوم على أنفسنا لما عرف عنا من تمسك بتعاليم الدين والحرص على الأخلاقيات والقيم، وان نسمح أن تتولد من بين جنباتنا بؤر لترويج الفساد ونشر الرذيلة لتعيث فساداً داخل مجتمعاتنا المحافظة. وتهدم وتدمر عقول الشباب. لقد استوقفني سؤال بل عدد من الأسئلة، كيف استطاع هؤلاء العمل بهذا الحجم الكبير وبمأمن من العيون؟ من أين جاءوا بهذه الأموال ومن دون أن يثيروا الريبة أو الشك في تصرفاتهم؟ هل هو جهل البعض منا وسلامة النية؟ أم عدم المبالاة في تحمل المسؤولية الوطنية الكاملة؟ فمتى ما سيطرت المادة على التفكير، اختلت الموازين وقلت المبالاة بالنتائج السلبية، وهذا ما نراه في شكل واضح ومقلق في الوقت نفسه وحتى عند البسطاء من الناس، إن الأعداد الهائلة من العمالة، التي غالباً ما يكون أكثرها إما سائبة أو زائدة عن الحاجة، ومما لا يقبل الشك أن في وجودها تهديدات اجتماعية واقتصادية كبيرة تحتاج منا إلى وقفة وتفكير وتسليط الضوء على حجم الأموال الكبيرة التي تخرج من البلاد إلى الخارج باسم التحويلات وأجور العمل. إن من الواجب وبدافع الحرص والحس الوطني أن نتحرك وفي شكل سريع وجدي، لمنع هدم مجتمعاتنا أخلاقياً واقتصادياً، ثم إن وجود هؤلاء حجب الكثير من فرص العمل أمام أبناء الوطن، حتى صار هاجس البطالة يهدد حياة الكثير من الشباب ويقلق عائلاتهم. ففي ما مضى كانت فرص العمل تورث داخل العائلة، فما يعمله الأب يعمل به الابن. أما الآن فالأمر مختلف تماماً، لما تشهده البلاد من تطور وتقدم حضاري كبير ونهضة علمية واسعة، وذلك بسبب اهتمام ولاة الأمر بنشر وتوسيع المراكز التعليمية والمعاهد العلمية والتقنية ما فتح الباب أمام الكوادر الوطنية والمتدربة على احدث الطرق التقنية تحت إشراف نخبة من المدربين والاختصاصيين. من الضروري ترتيب الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، وان نصحح النتائج بإعادة التوازن لطرفي المعادلة، إذ إن منطقية المعادلة بالأساس تقوم على هذين الطرفين، العمالة وفرص العمل أمام الشباب والتناسب بينهما عكسياً، فالزيادة في احد الطرفين تكون على حساب الطرف الآخر، وهي على النحو الآتي، زيادة العمالة يقابلها تفويت الفرص على الشباب، والمحصلة النهائية بطالة تهدد المجتمع بأكمله وبجميع شرائحه، فمن البديهي التحرك بكل جدية وفاعلية واحتواء المشكلة وسد منافذها وتحجيمها، إن الحاجة إلى السعودة ضرورة تفرضها حاجة المجتمع لبنائه بسواعد أبنائه وغاية لتحقيق هدف حماية البلاد والمجتمع من الشرور والفتن، وما تجره من معاناة نحن في غنى عنها. وهذا لا يعني الانغلاق والتقوقع، بل التنظيم والتخطيط وبحسب ما تقتضيه الحاجة وتفرضه الضرورة، فبعض الاختصاصات تحتاج إلى جلب العقول الخارجية لها إلى حين توافرها من أبناء الوطن. [email protected]