عندما يستقي الإنسان خبراً ما، أو معلومة معينة، فإن الانطباع أو التصور اللحظي حيالها يوحي بالقبول، ما لم تكن مخالفة للمنطق، كالإفراط والمبالغة اللذين لا يقبلهما العقل، لأن العقل هو العنصر الفاعل في رسم حدود الأمر المقبول، إلى أن يتم التحري والتحقق من المصدر، والجزم بأمر ما يجب أن تسانده الأدلة القطعية الثابتة، درءاً للوقوع في الشبهات، وتحريراً للإنسان من الظلم حتى لنفسه، وقد علمنا ديننا الحنيف هذه الأسس الضابطة للسلوك والتصرف بل وحتى التفكير، فكان الحديث الشريف"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"نبراساً يستضيء به ذوو العقول النيرة. وحينما يحرص المؤمن على هذا النهج، خوفاً من ربه، وخشية الوقوع في الزلات، يتجلى حينذاك الصدق مع الباري عز وجل. والخالق سبحانه وتعالى يسّر على عباده ولم يكلفهم ما لا طاقة لهم به، والهدي النبوي نهى عن التنطع، وحث على التيسير، لما للتيسير من أثر في استمالة القلوب الراغبة الطائعة. ويجب على المرء أن يتحلى بالموضوعية، التي إذا واكبت التحليل فإنها تكون أقرب إلى المنطق وبالتالي قبول نتائجها، بعيداً من سطوة الغرور المعرفي، المؤدي إلى الهلاك. ولنتذكر دائماً أن إبليس - لعنه الله ? يمارس دوره البغيض في تعزيز الانحراف في الفكر والسلوك، وجر ما يستطيع من البشر إلى دائرة الظلام. وليحرص المرء على البعد عن التنطع والمبالغة المؤدية إلى الهلاك، كما قال نبي الهدى، عليه أفضل الصلاة والسلام:"هلك المتنطعون"، ويأتي التحذير النبوي من التنطع لما يحدثه من آثار سلبية من غياب للحكمة والموعظة الحسنة، إضافة إلى التنفير من دين الله، سواء بالقول أم العمل، ليس فقط لغير المسلمين، الذين يفرض علينا التزامنا بأداء الأمانة وإبلاغ الرسالة دعوتهم بالوسائل السهلة الميسرة، بل قد يصل إلى المسلمين أنفسهم، جراء الاستغراق في التضييق، والبت في المسائل الفقهية على نحو يلبس على الناس، ما يكون مدعاة لنشوء التشويش والاضطراب، فبات حرياً التورع عن الخوض في هذه المسائل الحساسة والخطيرة في الوقت ذاته، وإعطاء القوس باريها، واستسقاء الفتوى ممن أوتوا نصيباً من العلم، وهم بحمد الله كثر، ورحابة صدورهم تشحذ الإخلاص في القول والعمل من لدن لطيف خبير، جزاهم الله عنا خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة. حمد المانع - الرياض [email protected]