للتاريخ علاقة وطيدة مع عبدالله بن عبدالعزيز. وكأنه حليف متين للملك السعودي الذي ناشد وطنه بألا يخلع عليه من الألقاب السامية شيئاً. فقط، أحب لقب إلى نفسه"خادم الحرمين الشريفين"فكان له عن جدارة بكل ما يحمله هذا اللقب من دلالات عميقة. في مثل هذه الأيام العصيبة التي ينزف فيها لبنان جرحاً عربياً بمخالب الشر الإسرائيلية وعدوانها الوحشي، يقود الملك عبدالله بن عبدالعزيز جهداً لا يعلمه إلا الله، عارفاً نوايا الغدر الصهيوني، مستهدفاً كَبْحَها وإنقاذ الكثير من مكتسبات الأمة الإسلامية، وفي مقدمها العرب. والعرب هم صفوة الأمة الإسلامية الذين وضعتهم ظروف الزمان والمكان في خط المواجهة الأول مع"الخفايا السود"لمخططات القوى الصهيونية وأنصارها المعروفين وغيرهم من المؤثرين في قرارات الدول العظمى. بحسب مصادر مسؤولة، فإن ذهن الملك عبدالله يسيطر عليه حالياً التفكير في مسارات آمنة تحبط مخطط العدو الإسرائيلي. في الوقت الذي ينازعه الألم مع استشهاد كل طفل أو سيدة أو شيخ طاعن في السن جراء قصف إسرائيل الأراضي اللبنانية. وربما ليس من المبالغة أن جميع مستشاريه، إضافة إلى خيرة العقول السعودية والموثوقة يتحلقون طوال الوقت حول مليكهم محركين هذا الاتجاه أو ذاك. وبحسب ما رشح ل"الحياة"، فإن الملك عبدالله لم ينقطع عن الاتصال هاتفياً ومن خلال الرسل ما بينه وقادة العالم المؤثرين، لوقف العدوان الإسرائيلي الوحشي على العُزّل من اللبنانيين والمدنيين فيها، ومن ثم نشر السلام في المنطقة مع تعهدات ملزمة لكل الأطراف. ولن يتردد أبو متعب الشهير بصراحته في أن يقول الحق من دون خشية من لومة لائم. هكذا تربى وبهذه الخصال عاش وأدار جميع مراحل حياته الوطنية المشهودة على الساحات العربية والإسلامية والدولية. وفيما يدرك غيره أن كل أمر حميد لا بد من أن يليق بالملوك، فإنه يمشي في الأرض مفطوراً على خصال النبل الملكي الأصيلة: يكره الكذب، والخداع يزعجه. يرحم الصغير والكبير، والصدق يكبره ويجله، وعشرات أخرى من القيم النبيلة تتحلى بها شخصية ملك يتربع على عرش دولة حباها الله من النعم مثلما حملها من مسؤوليات جسام. وبين هذه المسؤوليات الجسام التي لا حصر لها، فإن خادم الحرمين الشريفين يدرك أن وحدة الأمة الإسلامية والعربية تتطلب عزائم قادة صلبين يلتزمون ما تعاهدوا عليه من جهد وسياسات وخطط تقود إلى رصّ الصف ووحدة المصير، مبايعين الله على الوفاء بالعهد والالتزام بالمواثيق التي تنصر أمتهم وشعوبهم. ويستلهم في ذلك قوله تعالى: يد الله فوق أيديهم. موقناً بألاّ بد من"يد فوق يد"لبناء الأمة تحت رحمة الله وظله. تكشف البيانات الصادرة عن الحكومة السعودية الكثير من أفكار الملك عبدالله وصراحته المتناهية. ولعل نظرة سريعة على نتائج الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء مساء أمس تغطي الكثير مما يمكن قوله. إذ سمى الأشياء باسمها، محذراً من ويلات تراخي القوى الفاعلة دولياً في استقرار منطقة الشرق الأوسط. ومثلما لرابطة الدين والمصير قاعدة يرجو خادم الحرمين أن يسير قادة العالم الإسلامي عليها، فإنه يتطلع إلى الأصدقاء من مبدأ"التعايش بين الحضارات"أن يدعموا الأهداف البنّاء للإنسان والخلاّقة في طريق الازدهار والاستقرار والسلم. وعندما يشعر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بخيبة أمل قاسية من أخ وقريب، فإنه لن يتردد عن مصارحة أصدقاء أو من يزعمون الالتزام بالصداقة بأن سياساتهم المتراخية قادت إلى مشاهد الدم والهلاك السريع لعشرات الأرواح في لبنان، والتدمير البغيض لبُنى الاقتصاد المستقر. وهنا، لم يتردد البيان الأسبوعي لمجلس الوزراء من تحذير الأصدقاء بمغبة ما يتجاهلون من تطورات تنذر بالقلاقل ودمار منطقة الشرق الأوسط، وهي إحدى أكثر المناطق استراتيجية على الأرض، ففيها مهبط الرسالات السماوية وتبعات هذا الإرث التاريخي، وهي المنطقة الأكثر استراتيجية في التواصل بين جهات الأرض، وتمتلك بلدانها كنوزاً هائلة من الثروات الطبيعية التي لا توجد في غيرها. وأمام كل هذه الطاقات المهمة لاستقرار العالم وازدهاره يستنكر الملك عبدالله بصوت مسموع ما تتجاهله الدول المؤثرة من عربدة إسرائيلية وإجرام لا يمكن السكوت عنه، سواءٌ في لبنان أم فلسطينالمحتلة. أشار مجلس الوزراء الذي ترأسه الملك عبدالله إلى النقطة المركزية هذه الأيام وهي:"إن الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان الشقيق وشعبه واقتصاده ومكونات حياته وما تقوم به إسرائيل من تدمير متعمد ومتكرر وانتهاك لا يعرف حداً لحقوق الإنسان واستهداف مقصود للمدنيين والأبرياء والتنكيل بهم دونما أي اعتبار للعهود والمواثيق الدولية والاعتبارات الإنسانية هو امتداد لسياسات الاحتلال والهيمنة الإسرائيلية في المنطقة". ولم يتردد في توجيه الانتقاد الصريح لطبيعة ردود الفعل الدولية على الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل، بكل ما أُعطيت ومُنحت من آلة وتقنية عسكرية. واعتبر أن ردود الفعل تلك توضح:"مدى تراخي المجتمع الدولي وتغاضيه عن الجرائم الإسرائيلية وأن التأييد المطلق لبعض الدول للسياسات الإسرائيلية أدى حتى إلى إعاقة مجلس الأمن من اتخاذ قرار بهذا الشأن". وأكد:"أن تلك السياسات القاصرة قادت إلى محاصرة السلطة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً ومالياً، واستهدفت الإخلال بالتوازنات التاريخية المستقرة لبعض دول المنطقة، ما أدى إلى التطرف واليأس وتفاقم عدم الاستقرار وانهيار الأمن الاجتماعي وتفتت القرار الوطني داخل القطر الواحد، ونجم عنه انفلات بعض العناصر والتيارات وانزلاقها إلى قرارات منفردة، استغلتها إسرائيل أبشع استغلال، لتشن حرباً مسعورة ضد لبنان الشقيق وتُحكم أسْرها للشعب الفلسطيني بأكمله". وفي هذا السياق، تم التشديد على أن المجتمع الدولي وخصوصاً دُوله الكبرى النافذة، التي ترتبط بمصالح اقتصادية في المنطقة مسؤولة عن حماية الشعب اللبناني الشقيق، ومطالبة بالتحرك السريع لوضع حد للحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان، وإنهاء الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية، ومطالبة بتقديم الدعم للحكومة اللبنانية في جهودها للحفاظ على لبنان الشقيق، وصون سيادته وبسط سلطته على كامل التراب اللبناني". ويؤكد خادم الحرمين الشريفين أن المملكة العربية السعودية"تقف صفاً واحداً مع القوى الشرعية والوطنية والمتعقلة في لبنان الشقيق وفلسطينالمحتلة لدرء هذه الأخطار الداهمة على كيان الأمة العربية والإسلامية". يعرف الديبلوماسيون العرب والأجانب ورؤساؤهم في المناصب السياسية حقائق كثيرة عن طبيعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأهدافه الصريحة في إيجاد المكانة اللائقة لأمته بين الأمم الأخرى التي تشاركها العيش على الكرة الأرضية"رجل يؤمن بالعيش المشترك ويثق بأن رفاه الشعوب واستقرار الأمم وازدهارها معقود بالنوايا الطيبة وأفعال قادتها". وأمام هذه الخصال الأصيلة، لا يملك كثير من زعماء العالم سوى الحفاوة بها وتقدير رائدها حق قدره، وهو الأمر الذي سيكون دافعاً قوياً لتواتر الضغوط على القوى الفاعلة، من أجل صد النوايا الإسرائيلية التي تستهدف تفجير المنطقة والعبث بخيراتها وترويع الآمنين فيها. وعلى"أجندة"الأصدقاء الخلص للملك عبدالله قائمة طويلة من الأسماء، التي بدأت فعلاً، بحسب سعوديين مطلعين، تؤتي ثمارها. فالأمة الإسلامية وقادتها شهدوا للملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل أقل من عام بقدراته الخلاقة على الخروج بخطة عمل حكومي محكمة، تقضي على مشكلات العالم الإسلامي، وتؤدي إلى النهوض بالأمة من الحال المتردية التي تعيشها كثير من بلاد المسلمين. واتخذت خطة العمل الحكومي"البرنامج العشري للحكومات الإسلامية"من"الإصلاح الشامل"أساساً للنهوض خلال عشرة أعوام فقط. ولم يكتف هذا الزعيم المتواضع بالتصدي قولاً وعملاً لما فيه مصلحة أمته الكبرى ذات الرابطة الدينية، بل سبق له في عام 2000 أن أطلق مبادرة إصلاح للبيت العربي، تنقذه من مخططات العدو الإسرائيلي المتربص به شراً. وهنا لم يتوقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عند إطلاق هذه المبادرة التاريخية، والنظر في ما إذا التقطها القادة العرب أو تغاضوا عنها، حيث ترجمها برامج عمل يومي للإصلاح الداخلي. ولم تمض سوى أربعة أعوام فقط، حتى فاضت نتائج هذه السياسات الإصلاحية المعترف بها دولياً، لتنقل الاقتصاد الوطني السعودي من العسر إلى اليسر. وهو اليوم زعيم عربي مسلم، يشعر بمسؤوليته الهائلة أمام مخططات إسرائيل الراغبة - بلهفة العداء والخوف - في تشتيت المكتسبات.