هيمنت على عقول أطفالنا نوعيات معينة من القصص الأسطورية التي هي من نسج خيال العقل الغربي، ونحن استوردناها كما نستورد سلعة تجارية من الغرب، من دون النظر بشكل جاد إلى المادة التي تقدم إلى أطفالنا. ولو أمعنا النظر في تلك القصص لوجدنا أنها تخالف قيمنا ومبادئنا التربوية، فشخصية سندريلا التي يتعاطف معها الأطفال لفقرها وصبرها على سوء معاملة زوجة أبيها، ولعل هذه المقدمة المأسوية كانت العنصر المشوق في القصة، تتضمن في الطرف المقابل الأمير الذي يدعو أجمل الفتيات إلى قصره ليختار الأجمل منهن لتكون زوجته، وعلى سندريلا أن تتمنى أن تنضم إلى حفلة الأمير، لكي تبرز جمالها من أجل لفت انتباه الأمير إليها... أليس من الخطر أن نغرس في نفوس فتياتنا الرغبة في استعراض مفاتنهن ولفت الأنظار من أجل الزواج؟ وكيف نرسخ في أذهان أولادنا أن يكون قرار مصيري مثل الزواج يتوقف فقط على جمال الفتاة من دون الاهتمام بأخلاقها أو سلوكها؟ وفي قصة أخرى، هي"الأميرة النائمة"التي لا تستيقظ إلا على قبلة حارة من الأمير الشجاع، وهذا لغم آخر، رص بعناية لتفجير الغريزة الكامنة عند الطفل... أليس من المؤسف أن يقرأ أطفالنا مثل هذه الحماقات؟! وقصة"سنووايت"التي تعيش في كوخ واحد مع سبعة رجال ولا مانع شرعياً من ذلك فقط لأنهم أقزام! ولا نعلم لماذا لم يجعل المؤلف هؤلاء الأقزام من النساء؟ وتتفوق عليهن في رداءة الأحداث قصة"عروس البحر"، التي تعطي فتياتنا دروساً في التمرد على الأهل والهرب من البيت من أجل حبيبها، وما يثير السخرية أنها لم تتزوجه، لأنها كانت خرساء، وتتوالى التضحيات الكريهة... فما كان من الحبيب إلا أن فكر أن تبقى معه ك... لا كزوجة. لا أفهم لماذا نغفل عن رداءة هذه القصص وغيرها؟ وكيف نجرؤ على سردها أو شرائها أو مشاهدتها؟ إن"علم نفس الأطفال"يؤكد أن الشخصيات الخيالية لا تأسر خيال الطفل فقط، وإنما تصل به إلى درجة التوحد في القيم، فتنصهر مبادئه الإسلامية في بوتقة السلوكيات الخاطئة التي تشربها منذ صغره عبر تلك القصص، ناهيك عن التناقض الذي سيعاني منه نظراً لاختلاف ثقافة المجتمع. والمؤسف أن هذه القصص تحولت لمسرحيات تعرض للأطفال، فهل نحن عاجزون عن ردع أطفالنا بطريقة ودية عن قراءة ومشاهدة مثل هذه القصص؟ أو حتى تغذية ملكة النقد في عقل الطفل ومساعدته على اكتشاف الأخطاء، ثم مناقشته فيها وأنها تنافي قيمنا وعاداتنا الدينية؟ أم علينا أن نطبق نظرية التبلد تجاه كل ما يقرأه أطفالنا؟ وهل سنظل نصعد سلم الفشل في عدم الاستقلال عن قصصهم الغربية التي تخاطب عقول أطفالهم لا أطفالنا؟ وهل خططنا لقضاء أوقات نقرأ فيها لصغارنا قصصاً هادفة تخلو من شوائب العنف وشطحات الجنس، علماً بأن تراثنا الأدبي غني بالقصص الهادفة والجميلة؟ في اعتقادي نستطيع إذا أردنا ذلك وسعينا من أجله، ولأننا نملك بين أيدينا المستقبل لنبدأ من جديد في اختيار أحسن القصص إلى أجيال الغد... فنحن بالفعل - أخي القارئ، وأختي القارئة، وكل أم وكل أب - مقصرون في ترسيخ القيم السامية والمبادئ النبيلة في نفوس أطفالنا. عاتكة دهيم - صفوي أستاذة علم الاجتماع