تشير دلائل عدة إلى وجود تباين بين تفكير الناس عند الحديث عن أسباب وقوع مشكلة ما، والمطلوب عمله لمعالجة هذه المشكلة على نحو صحيح. ومن يطلع على ما تنشره الصحف يطالع بشكل شبه يومي نوعين بارزين من العنف، وهما العنف الأحادي المتمثل في ما يصدر عن أرباب الأسر أو من زوجات الأب، والعنف المتبادل المتمثل في الخلافات التي تتطور بين شخصين أو أكثر، يزيد وينقص بحسب كل مسألة بين عنف واقتتال أو نحو ذلك. وعلى رغم أن الأمر لا يشكل ظاهرة اجتماعية تحمل درجة من الخطورة، كونها في الغالب حالات فردية نتيجة ظروف معينة خاصة، لكنها كسلوك مخالف وغير مقبول شرعاً وأخلاقياً يعد إشكالاً تربوياً وأخلاقياً، يلقي بظلاله على وتيرة التعامل ونسق الحياة اليومية. وتحفل الحياة اليومية بالكثير من المواقف والخلافات والمشاحنات التي تتطور وتتأزم إلى درجة العنف والعنف المتبادل، ولا شك في أن غياب الوازع الديني ومخافة الله من أبرز دوافع الميل إلى العنف بشكل سريع. خصوصاً في حال وجود موقف متأزم، بسبب خلاف مادي أو شخصي أو اجتماعي أو أي من مسببات الخلاف، وطرف من أطراف الموقف يسعى للوصول إلى ما يريد بأسرع الطرق ومنها العنف أو الاعتداء البدني، بغية فرض الرأي بقوة أو ممارسة التسلط الذكوري. وهنا تبرز أكثر من مسألة تحتمل أكثر من سؤال: هل ظاهرة العنف الأحادي والعنف المتبادل جديدة فعلاً بحيث ان المجتمع، ممثلاً في الصحافة، قد تنبه لها أخيراً بهدف محاصرتها وتشخيصها وعرضها على المختصين والقانونيين لدرسها ومعالجتها؟ أما أنها كانت موجودة بشكل خفي وزادت طولاً وعرضاً، فلم تعد المرأة تطيق الضرب والمهانة وزاد فزع الطفل المعتدى عليه، فهرب فزعاً يطلب المساعدة واللجوء إلى من يعتقد قدرته على حمايته ثم أظهرتها الصحافة، ووضعت يد الجراح على الألم؟ وقد لا تكون المشكلة في كيفية وصول المتضرر إلى الجهات المختصة أو لجان حقوق الإنسان، وإنما في كيفية إثبات الاعتداء إذا كان نفسياً أكثر منه جسدياً كما في قضايا الإهانات والإذلال من ضعاف النفوس للنساء ضعيفات الحيلة أو الأطفال ممن لا حول لهم ولا قوة. وكم تحتاج المرأة من الوقت لتخرج من عباءة المصطلحات الأربع العيب، وسمعة العائلة، شماتة الآخرين، والفشلة من الصديقات، التي تبني جداراً وهمياً شاهقاً، يجعلها أسيرة الاعتداء والضرب؟ فبين أضلع هذا المربع الوهمي تئن العديد من النساء والزوجات المطلقات والمعلقات والمنكوبات وغيرهن من الأطفال، والبنات اللاتي يمسك بهن من لا وازع لديهم ولا رحمة، إما لأنهم أمنوا العقوبة أو لأنهم يتكتمون على من يعتدون عليهم من الخروج والاختلاط والحديث مع الغير أو يهددونهم تارة بداعي أنهم أعرف بالطريقة المثلى للتعامل مع البشر وتارة بالقوة والسلطة التي لا تعرف لها الرحمة طريقاً. نسأل الله أن يفرج هم المهموم، وأن يعيد الحق لنصابه، وأن يكف يد الضارب بغير حق عن المضروب، ويلهمنا الصبر ويودع فينا خوفه والطمع بعفوه وحبه وحب من يحبه، وعبادته على بصيرة، وإلا فكيف لقلب أب ألا يعير أي اهتمام لابنه وهو يتضرج في دمائه أو لزوجته وهي تئن بين يديه بعد أن أخذ منه الله ثم وليها موثقاً غليظاً، وكيف لمعلم أو معلمة أن ترهب أطفالاً بالتخويف أو بالضرب أو بالتجريح أمام زملائهم؟! إن دور الصحافة سيظل حراً ونزيهاً في نقل الوقائع وتحليلها للتقليل من حدتها والتعاطي معها بواقعية، وأخذ رأي المختصين والقانون والأنظمة، واطلاع من تضرر أو يتضرر من العنف، وإزالة هاجس رد الفعل الوهمي للمعتدي، ووضع الحق في نصابه بعيداً من التهويل أو التحجيم وفق ما تمليه أخلاقيات مهنة الصحافة وعمل الصحافيين التي هم أدرى بها وأعرف. محمد الزويد - الرياض