للعرب حكاية منذ البداية، وقتما كانت أمة بلا هوية، أمة بلا همة، فحررها نبي الرحمة من ظلام الشرك والجهل والغفلة، فصعدت إلى القمة بعدما كانت تحيا حياة الأنعام على الأوثان والآثام، بلا ذكر بلا مجد بلا إقدام، إلا من بعض الأخلاق وفروسية الفرسان، وذلك بفضل الإسلام. ثم كادت أن تسقط بموت نبيها، لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، إذ قيّض الله لها من يثبتها ويعيد توازنها من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فاحتفظت بمجدها وعزها وقوتها، فبلغت الآفاق بأجمل الأخلاق، ففتحت الحصون وأخرجت المكنون من النفوس المتطلعة للحق بمقولة صدق:"إنما إلهكم إله واحد"، فاحتفظت بحضارتها، فسادت في بلاد الدنيا تنشر الحق والسلام والصدق. ثم ما لبثت بعد أن اعتلت القمة أن تسقط، فتصيبها الغمة في عهد الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، اثر نار أوقدها المتربصون بهذه الأمة، فتفرقت على أكثر من 70 فرقة ولتسطر بهذا أول سقوط لها بالاختلاف والاقتتال والفرقة, لتتوالى السقطات بعد ذلك سقطة اثر سقطة، فما أن تسقط حتى تقوم فقد احتفظت بفضل الإسلام بشيء من القوة والمنعة، وبقيت لأن قلبها ما زال ينبض بالدعوة، إذ لم تثنها الفرقة عن القيام بها على رغم الدسائس والمؤامرات وتتابع الدول حتى في عهد حجاجها الثقفي، إذ وصلت للهند والسند ثم سقطت سقوطها الثاني باقتسامها إلى دويلات وطوائف ومذاهب، فخاضت مع ذلك الحرب ضد الصليبيين لتستعيد بعد ذلك مجدها العظيم على يد المخلصين أمثال عز الدين أيبك، قطز، صلاح الدين، محمود الدين زنكي. بأيدي هؤلاء وغيرهم تبقى أمة على رغم الشدائد والمحن لا تسقط، إذ نهضت من جديد، إبان الحكم العثماني في خلافة فريدة من نوعها، وصلت إلى أوساط آسيا وبلاد الغال وأطراف أوروبا، لأنها أمة على رغم الشدائد والمحن لا تسقط. ثم يصيبها ما أصاب غيرها من سنن الله في خلقه، الذين حادوا عن الطريق المستقيم، فتسقط سقوطها الثالث باقتسام شرذمة حاقدة لتركة الأمة بأشكال عدة من استعمار ودمار وانتداب ووصاية. ومن هنا تبدأ الحكاية، إذ توالت السقطات والنكبات، فقد خرج المستعمر بجسده وبقي بروحه. إذ خلف وراءه أمة مهزوزة، ترى في الحضارة الغربية كل الخير، وهي التي زرعت كل الشر, فتولد ما يسمى الهزيمة النفسية والتبعية الغربية اللتان ساعدتا على الانقضاض على الفريسة مرة أخرى واستعمارها من جديد بمسميات أخرى كالديموقراطية والشرق الأوسط الكبير وتحرير المرأة وحقوق الإنسان، فسقطت العراق وأفغانستان ومن قبلها فلسطين ومن بعدهم ما الله به عليم، لكن لأنها أمة على رغم الشدائد والمحن فهي لن تسقط، فحتما ستسترد مجدها وبقوة. * كاتبة سعودية