أمر ملفت للنظر كثيراً، فخلال أسبوع واحد تقريباً وهو الماضي تحديداً، أصدر وزير التجارة والصناعة قراراً بالموافقة على تأسيس نحو أكثر من 15 شركة مساهمة، تتجاوز قيمة رساميلها ما قيمته بليونا ريال تقريباً. ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن سلطات وصلاحيات وزير التجارة والصناعة لتأسيس الشركات المساهمة، يشمل جميع أنواع الشركات، عدا التي تحتاج إلى مرسوم ملكي، وهي خمسة أنواع حددها نظام الشركات: ذات الامتياز، والتي تدير مرفقاً عاماً، والتي تقدم لها الدولة إعانة، والتي تشترك بها الدولة غير التأمينات الاجتماعية ومصلحة معاشات التقاعد، وتلك التي تزاول الأعمال المصرفية. ومن حيث الاكتتاب في رأسمالها فإن الشركات المساهمة تنقسم إلى نوعين، هما: الأول شركات يكتتب المؤسسون فيها بجزء من رأسمالها والجزء الآخر يطرح للاكتتاب العام، وهذه لا يجوز أن يقل رأسمالها عن عشرة ملايين ريال، والثانية شركات يكتتب المؤسسون بكل رأسمالها، وهذه لا يجوز أن يقل رأسمالها عن مليوني ريال. في شكل عام، يمكن الجزم بأن تأسيس هذه الشركات هو دلالة واضحة على"الثقة"التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، ولولا ذلك لما بادر المواطنون من المستثمرين ورجال الأعمال إلى دق أبواب وزارة التجارة والصناعة، طالبين التراخيص لشركات ستنفذ بالتأكيد مشاريع جديدة، وتوظف كوادر بشرية، وستجري أيضاً حركة واسعة في فتح الحسابات التجارية، ومشتريات جديدة... الخ، ما يعني أننا مقبلون على حركة نشطة بسبب ذلك العدد البسيط من تأسيس الشركات المساهمة. ولا يمكن بطبيعة الحال أن نذهب إلى الادعاء بأن هذه الشركات ستحدث دورة اقتصادية. في الجانب الآخر، لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير"الضوء الأخضر"لتأسيس الشركات المساهمة، إلا بمنطق واحد وهو أننا أمام ظاهرة أقرب إلى"الهرولة"و"الطفرة"في تأسيس الشركات المساهمة. والمثير هنا تحديداً، أن إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التجارة السعودية، توضح أن عدد الشركات المساهمة يبلغ 131 شركة حتى إحصاء عام 1425ه وهي تساوي نسبة واحد في المئة فقط من إجمالي عدد الشركات، والبالغ 13539. علماً بأن ذلك الرقم يشمل حالياً نحو 120 شركة مساهمة عامة، منها 11 شركة في قطاع الأسمنت، و11 مصرفاً، و42 شركة في قطاع الخدمات، و43 شركة صناعية، وعشر شركات زراعية، وشركتان في قطاعي الاتصالات والتأمين. وبحسب الإحصاء نفسه، تسيطر شركات"ذات المسؤولية المحدودة"على نسبة 70 في المئة بعدد 9518 شركة، تليها"التضامنية"بنسبة 21 في المئة وبعدد 2802 شركة، ثم شركات"التوصية البسيطة"بنسبة ثمانية في المئة وبعدد 1086 شركة. ولا جدال هنا، أن توقيع"الوزير"السريع على قرارات تأسيس هذه الشركات، يحسب كثيراً له في هذه الفترة خصوصاً، حتى وإن كان بعض"الأذكياء"يرونه تصرفاً طبيعياً من الوزير هاشم يماني، فهو يريد أن ينهي فترة الحقيبة الوزارية من دون تأخير أي ملف، حتى وإن كان الأمر يتعلق ب"توقيع". وهنا يمكن القول، أن الوزير هاشم يماني أو"وزير منظمة التجارة الدولية"، كما يحلو للبعض تسميته، استثمر كل فقرات النظام والتعديلات والضوابط الأخيرة لتأسيس الشركات المساهمة أو حتى تحول القائمة منها إلى مساهمة. علماً بأن الضوابط الأخيرة التي أعلنتها وزارة التجارة لتحول الشركات إلى مساهمة، أسهمت إلى حد كبير في الظاهرة الجديدة، وهي شروط أغلب الظن أن نحو 75 في المئة من الشركات ذات المسؤولية المحدودة تنطبق عليها، وهي: أن تكون الشركة طالبة التحول وصلت في السنة السابقة لطلب التحول إلى حجم وربحية ذات أهمية نسبية، بحيث لا يقل صافي أصول الشركة في تاريخ التحول عن 50 مليون ريال، وألا يقل العائد على حقوق الشركاء في أي سنة من السنوات الثلاث السابقة على التحول عن سبعة في المئة، وأن تؤكد دراسة الجدوى أن العائد المتوقع لا يقل عن هذه النسبة في أي سنة من السنوات الثلاث التالية للتحول، ويجب أن تكون الشركة طالبة التحول مضى على إنشائها خمس سنوات على الأقل، ويجب على الشركة التي ترغب في التحول إلى شركة مساهمة ذات أسهم مطروحة للاكتتاب العام أن تطرح ما لا يقل عن 40 في المئة من أسهم الشركة المصدرة، ويجب أن يكون لدى الشركة طالبة التحول الجهاز الإداري المؤهل القادر على إدارة أعمالها بفاعلية وكفاءة، وأن يكون لديها رقابة داخلية فاعلة لضمان حماية صافي أصولها ولديها القدرة على المنافسة في السوق. إن"هرولة"و"طفرة"الشركات المساهمة في السعودية لا يمكن بأي حال من الأحوال سوى النظر إليها من الجانب الإيجابي، ومن شأنها أن تنعكس إيجاباً على الاقتصاد السعودي وتمتد آثارها إلى سوق الأسهم أيضاً لإيجاد عمق جديد فيها، خصوصاً إذ انضمت لها حصص الدولة في الشركات. لكن وعلى رغم ذلك، يمكن طرح سؤال مهم جداً، مفاده: أليس ما يحدث متأخراً بعض الشيء، إذ جرت في الأعوام الماضية محاولات باكرة لتأسيس الشركات المساهمة، ولعل قصة رجل الأعمال أحمد حسن فتيحي أكبر دليل على أن القطاع الخاص كان يسبق"الأنظمة"و"الوزارات"في مبادراته. تجربة الشركات المساهمة وما يحدث فيها من"انفراج"كبير في الوقت الحاضر، يجب أن يكون درساً ليس فقط لوزارة التجارة والصناعة، بل يتعداه إلى جميع القطاعات ذات العلاقة بالنشاط الاقتصادي الداخلي، خصوصاً بعد النجاحات التي حققتها الهيئة العليا للاستثمار على الصعيد الدولي. يبقى القول أخيراً، أن نشاط اقتصاديات الدول و"ترمومتر"نشاطها، يقاس دوماً بالحركة الدؤوبة لتأسيس الكيانات الاقتصادية، خصوصاً أن معدلات شطب السجلات التجارية وتصفية الشركات سجلت انخفاضاً ملحوظاً خلال الأعوام الماضية بنسبة 40 في المئة تقريباً. وفوق ذلك كله، لا يمكن أيضاً إغفال دور الرقابة. [email protected]